للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستخفاف بالله سبحانه على جهة الهزل

[السُّؤَالُ]

ـ[ي بخصوص صديق لي كان يمزح بجهل، فأثناء ما كان يمزح مع صديق آخر استفزه الأخير، فالتقط الأول سماعة الهاتف وقال بكل جهل: "لابد أن أخبر الله". ثم استمر قائلا في الهاتف: "مرحبا الله" كأنه يتكلم إلى الله، وأنا أعلم أن هذا لا يجوز لكن هل هذا شرك؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

وبعد، فالإيمان بالله تعالى مبني على تعظيمه سبحانه وإجلاله والانقياد له، ولذا عاب الله الكافرين وأخبر أنهم إنما أشركوا به سبحانه غيره لما لم يقدروا الله حق قدره فقال:

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر /٦٧.

فالله جل شأنه هو العظيم الذي تكاد السماوات تتفطر من عظمته كما قال سبحانه:

(تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الشورى/٥.

ومن تفكر في مخلوقات الله رأى طرفا من آثار عظمته سبحانه، يقول النبي صلى الله وسلم في وصف الكرسي والعرش: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١/٢٢٣) .

ولا يجتمع في القلب الواحد تعظيم الله عز وجل مع الاستخفاف به ولذا كان الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته ورسله كفر كيفما وقع جدا أو هزلا قال الله تعالى في سورة التوبة:

(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة ٦٤-٦٦.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله جادا أو هازلا فقد كفر"

الصارم المسلول (٢/٧٠)

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عند هذه الآية: " لا يخلو أن يكون ما قالوه ـ أي المنافقين ـ من ذلك جدا أو هزلا، وهو ـ كيفما كان ـ كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة " اهـ.

وقال العلامة السعدي: " إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة ".

وما قاله هذا الرجل فيه استخفاف بالله سبحانه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ، وتنزيل لله ـ جل شانه وعز سلطانه ـ منزلة البشر، في الخطاب والكلام، وهذا كفر لا يشك فيه من له أدنى معرفة بدين الله، ولا يقدم عليه إلا جاهل طافح الجهل، أو رجل لا يعرف قلبه لله وقارا!!

ثم زاد كفر الاستهزاء واللعب كفرا وضلالا، قول هذا البائس: (لا بد أن أخبر الله) ؛ فهل يحتاج الله تعالى إلى خبر الجاهل الظلوم؟!!

(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/٥.

فعلى هذا المسكين أن يجدد إيمانه، ويدخل في الإسلام من جديد، ويتوب إلى الله تعالى من هذا الكفر الصراح، وليستكثر ـ فيما بقي من عمره ـ من الصالحات والخيرات، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنه، ويغفر له جهله وعدوانه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>