هل يرجع للإقامة في بلاد الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نصحني كثير من أهل العلم بعدم السكن في بلاد الكفار (أمريكا) ، أنا عربي أمريكي عشت طوال عمري في أمريكا وأعمل الآن في إحدى الدول الإسلامية، الأمور أصبحت صعبة بالنسبة لي لكي أستمر هنا - (قلة الدخل والسكن) -، وأفكر بالعودة لأمريكا، وسبب رئيسي آخر للعودة هو العناية الصحية المجانية لزوجتي المريضة.
أرجو أن تعطيني جواباً مفصلاً بالدليل من القرآن والسنة، هل أعاني وأبقى في هذا البلد أم أرجع لأمريكا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل هو حرمة الإقامة بين أظهر المشركين وفي ديارهم، ومن يسَّر الله عز وجل له الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام: فلا ينبغي له أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير إلا لعذرٍ قاهر يجيز له الرجوع.
ونحن ننصحك بما نصحك به الآخرون بعدم السكن في بلاد الكفر، إلا أن تكون مضطراً إلى سكن مؤقت كعلاج لا يتيسر لك في بلاد المسلمين.
واعلم أن من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه، وأن مع العسر يسراً، وأنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، واعلم أن الحفاظ على رأس المال خير من المخاطرة في الربح، ورأس مال المسلم هو دينه، فلا يفرِّط فيه لأجل دنيا زائلة.
وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – فتوى مفصَّلة في حكم الإقامة في بلاد الكفر، نذكر منها – الآن – ما يتيسر.
قال الشيخ ابن عثيمين:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ وأن يكون مضمراً العداوة للكافرين وبغضهم مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان قال الله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} المجادلة / ٢٢.
وقال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} المائدة / ٥١، ٥٢.
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أحب قومًا فهو منهم "، وأن " المرء مع من أحب ".
ومحبة أعداء الله عن أعظم ما يكون خطرًا على المسلم لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحب قومًا فهو منهم ".
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ،....
وقال الشيخ ابن عثيمين – في بيان أقسام الناس من حيث الإقامة هناك -:
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الشيخ – في آخر الفتوى -:
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (فتوى رقم ٣٨٨) .
وانظر جواب السؤال رقم (١٤٢٣٥) و (٣٢٢٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب