للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعمار الأطفال الذين ماتوا صغار، إذا دخلو الجنة

[السُّؤَالُ]

ـ[كانت زوجتي حاملا بتوأمين، ويوم المخاض أحست بماء يسيل فتوجهت إلى الطبيبة، فأخبرتها أن أحد الجنينين قد مات قبل قليل؛ لأنه شرب من الماء الذي يسبح فيه في الرحم، فتوجهت إلى المستشفى وأجريت لها عملية قيصرية لإنقاذ الجنين الثاني الذي ولد حيا والحمد لله. أريد أن أسأل عن الجنين الميت كيف يبعث يوم القيامة؟ هل يبعث مثلنا شابا أم كيف؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

اتفق أهل العلم على أن مصير أطفال المسلمين - إذا ماتوا بعد نفخ الروح وقبل البلوغ – هو الجنة، كرامةً من الله تعالى لهم ولآبائهم، ورحمةً منه سبحانه الذي وسعت رحمته كل شيء. وقد سبق نقل نصوص أهل العلم عن هذا في جواب السؤال رقم: (٦٤٩٦)

ثم بالتأمل في النصوص المخبرة عن حال أطفال المسلمين في البرزخ، وعند البعث والحساب يوم القيامة، ثم عند دخول الجنة، يمكننا تقسيم رحلتهم تلك إلى المراحل الآتية:

١- أما حالهم في البرزخ فالثابت أنهم بمجرد موتهم يُنقلون إلى الجنة، وأن أرواحهم تتنعم فيها في رعاية أبينا إبراهيم عليه السلام:

ورد ذلك في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال:

(كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكثِرُ أن يَقُولَ لِأَصحَابِهِ: هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا؟ قالَ: فَيَقُصُّ عَلَيه مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ.

وَإِنَّه قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّه أَتَانِي الليلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهما ابتَعَثَانِي، وَإِنَّهُما قَالَا لِي انطَلِق، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُمَا. . . (فذكر أشياء رآها ثم قال) فانطَلَقنَا، فَأتَينَا عَلَى رَوضَةٍ مُعتَمَّةٍ، فِيهَا مِن كُلِّ لَونِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لَا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولًا فِي السَّماءِ، وإِذَا حَولَ الرَّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ رَأيتُهم قَطُّ،. . . (ثم كان مما عبره له الملكان) :

وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين؟ فَقَالَ: وَأَوْلَادُ المُشرِكِين) رواه البخاري (٧٠٤٧)

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

" أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش " انتهى.

رواه ابن أبي حاتم بسنده، انظر "تفسير القرآن العظيم" (٧/١٤٨)

وانظر شيئا من تفصيل ذلك في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (٧١١٧٥)

٢- فإذا قامت القيامة، وبُعث الخلق من قبورهم، بعث الأطفال أيضا على حال طفولتهم وصغرهم الذي ماتوا عليه، فيشفعون لآبائهم، ويدخلونهم الجنة برحمة الله لهم:

عن أبي حسان قال: قلتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟

قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلَا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ.

رواه مسلم (٢٦٣٥)

يقول ابن الأثير: " الدعاميص: جمع دعموص، وهي دويبة تكون في مستنقع الماء. والدعموص أيضا: الدخال في الأمور: أي أنهم سيَّاحون في الجنة، دخَّالون في منازلها، لا يمنعون من موضع، كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحُرَم، ولا يُحجب منهم أحد " انتهى. "النهاية" (٢/٢٧٩)

ففي هذا الحديث دليل ظاهر على أن الأطفال يبقون على حال طفولتهم عند البعث والجزاء والحساب، بل حتى السقط الذي نفخ فيه الروح يبقى على هيئته يوم سقط من رحم أمه.

٣- فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأخذوا منازلهم فيها، فذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يدخلونها جميعا – كبارهم وصغارهم – وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، لا يهرمون ولا يشيخون، ويتنعمون في شبابهم أبد الآبدين، فيزيد الله في عمر الصغير، وينقص من عمر الشيخ الكبير، حتى يصير الجميع في سن واحد، سن ريعان الشباب: سن الثالثة والثلاثين.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً)

رواه الترمذي (٢٥٤٥) وقال حسن غريب. ورواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/٣١٥) من حديث أبي هريرة، وحسنه المحققون. والهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/٤٠٢) ، وصححه أبو حاتم في "العلل" (٣/٢٧٢) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (٦/١٢٢٤)

بل جاء ذلك صريحا في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – وفي إسنادها كلام - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلَاثِينَ فِي الجَنَّةِ لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ) رواه الترمذي (٢٥٦٢) وضعفه بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين – وهو ابن سعد -. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك.

وذهب آخرون من أهل العلم، من الصحابة والتابعين، إلى أن من مات من أطفال المسلمين قبل بلوغ سن الحلم، يكونون خدم أهل الجنة، يطوفون عليهم بالشراب والطعام والنعيم، وأولئك هم المذكورون في قوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) الواقعة/١٧-١٨، وقوله سبحانه: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) الطور/٢٤، وقوله عز وجل: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان/١٩

نقل ذلك العلامة ابن القيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن الحسن البصري رحمه الله، ولكنه اختار رحمه الله ترجيح القول بأن هؤلاء الولدان الذي يخدمون أهل الجنة هم غلمان مخلوقون من الجنة كالحور العين، وأنهم غير من مات من أطفال المسلمين من أهل الدنيا، وقال: " وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين " انتهى.

انظر: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص/٣٠٩-٣١١) .

ولعل القول الثاني هو أظهر القولين في المسألة، لحديث أبي هريرة المذكور أولا، وفيه: (صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ) ، وهو أصح وأظهر مما احتج به القائلون بالقول الأول.

قال المناوي رحمه الله:

" يعني هم سياحون في الجنة، دخالون في منازلها، لا يمنعون كما لا يمنع صبيان الدنيا الدخول على الحرم.

وقيل: الدعموص اسم للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج، ولا يتوقف على إذن ولا يبالي أين يذهب من ديارهم؛ شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمنع من أي مكان منها " انتهى. فيض القدير (٤/١٩٤) ، ونحوه في مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (٦/١٤) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٢٠٤٦٩)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>