رابعاً:
ما حدث في هذا الشهر من غزوات وأحداث مهمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهي كثيرة، ويمكن اختيار بعضها:
١. قال ابن القيم:
ثم غزا بنفسه غزوة " الأبواء " ويقال لها " ودَّان "، وهي أول غزوة غزاها بنفسه، وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش، فلم يلق كيداً.
وفي هذه الغزوة وادع مخشيَّ بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة في زمانه على ألا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا أن يكثِّروا عليه جمعاً ولا يعينوا عليه عدوا وكتب بينه وبينهم كتابا وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.
" زاد المعاد " (٣ / ١٦٤، ١٦٥) .
٢. وقال:
فلما كان صفر - (سنة ثلاث من الهجرة) - قدم عليه قوم من " عَضَل " و " القارة "، وذكروا أن فيهم إسلاما، وسألوه أن يبعث معهم من يعلِّمهم الدين، ويقرؤهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر - في قول ابن إسحاق، وقال البخاري: كانوا عشرة - وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفيهم خبيب بن عدي، فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع - وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز - غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا فجاؤوا حتى أحاطوا بهم فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة، فذهبوا بهما وباعوهما بمكة وكانا قَتلا من رؤوسهم يوم بدر.
" زاد المعاد " (٣ / ٢٤٤) .
٣. وقال:
وفي هذا الشهر بعينه وهو صفر من السنة الرابعة كانت وقعة " بئر معونة " وملخصها: أن أبا براء عامر بن مالك المدعو " ملاعب الأسنَّة " قدم على رسول الله المدينة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم، ولم يبعد، فقال: يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبونهم، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال أبو براء: أنا جار لهم، فبعث معه أربعين رجلا في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، والذي في الصحيح: هو الصحيح، وأمَّر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمعنق ليموت، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم فساروا حتى نزلوا " بئر معونة " - وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم - فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلم ينظر فيه، وأمَر رجلا فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم قال: فزت ورب الكعبة، ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم فأجابته " عصية " و " رعل " و " ذكوان "، فجاؤوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار فإنه ارتُثَّ - (أي: رفع وبه جراح) - بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق، وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة فنزل المنذر بن محمد فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من " مضر " جز عامرٌ ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمِّه، ورجع عمرو بن أمية، فلما كان بالقرقرة من صدر قناة - (اسم موضع) - نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو وهو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه، وإذا معهما عهدٌ من رسول الله لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله بما فعل فقال: لقد قتلتَ قتيلين لأَدِينَّهما.
" زاد المعاد " (٣ / ٢٤٦ - ٢٤٨) .
٤. وقال ابن القيم:
فإن خروجه - (أي: إلى خيبر) - كان في أواخر المحرم لا في أوله وفتحها إنما كان في صفر.
" زاد المعاد " (٣ / ٣٣٩، ٣٤٠) .
٥. وقال:
فصل في ذكر سرية " قطبة بن عامر بن حديدة " إلى خثعم.
وكانت في صفر سنة تسع، قال ابن سعد: قالوا: بعث رسول الله قطبة بن عامر في عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمَره أن يشن الغارة، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، فجعل يصيح بالحاضرة، ويحذرهم، فضربوا عنقه، ثم أقاموا حتى نام الحاضرة فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعاً، وقَتل قطبة بن عامر مَن قتل، وساقوا النَّعم والنساء والشاء إلى المدينة، وفي القصة أنه اجتمع القوم، وركبوا في آثارهم فأرسل الله سبحانه عليهم سيلاً عظيماً حال بينهم وبين المسلمين فساقوا النَّعم والشاء والسبي وهم ينظرون لا يستطيعون أن يعبروا إليهم حتى غابوا عنهم.
" زاد المعاد " (٣ / ٥١٤) .
٦. وقال:
وقدم على رسول الله وفد " عُذرة " في صفر سنة تسع اثنا عشر رجلاً فيهم جمرة بن النعمان فقال رسول الله: مَن القوم؟ فقال متكلمهم: من لا تنكره نحن بنو عذرة، إخوة قصي لأمِّه، نحن الذين عضدوا قصيّاً، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام، قال رسول الله: مرحبا بكم وأهلا ما أعرفني بكم، فأسلموا، وبشرهم رسول الله بفتح الشام وهرَب هرقل إلى ممتنع من بلاده، ونهاهم رسول الله عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية، فأقاموا أياماً بدار رملة ثم انصرفوا وقد أجيزوا.
" زاد المعاد " (٣ / ٦٥٧) .