للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على ٣٠ عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه.

واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله:

فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل.

وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة.

وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون.

وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.

والقول بالجواز هو الأصح من القولين.

وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (١٠٣٢٣٦) .

ثانياً:

إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟

والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها.

وفي " الموسوعة الفقهية " (٣٨ / ١٥٧، ١٥٨) :

نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً:

قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك.

وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه.

روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك.

وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى.

إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى

ثالثاً:

المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟.

والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له.

قال أحمد الصاوي – رحمه الله -:

ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع.

تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب.

" بلغة السالك " (٣ / ٨) .

وقال ابن قدامة – رحمه الله -:

إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ...

ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... .

" المغني " (٤ / ٣٠٦) .

والخلاصة:

أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة.

وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>