الأحاديث الواردة في فضل طول العمر في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذه الأحاديث؟ ١٧٥٥٥- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - رفع الحديث – قال: (المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده - أو لوالديه -، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم، أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمَّنه الله من البلايا الثلاثة: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفَّعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه) ١٧٥٥٦- وفي رواية: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يعمر في الإسلام. فذكر نحوه وقال: فإذا بلغ السبعين سنة في الإسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء) ١٧٥٥٧- وفي رواية: (إذا بلغ سبعين سنة في الإسلام أحبه أهل السماء وأهل الأرض) ١٧٥٥٨- وفي رواية: (فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته) رواها كلها أبو يعلى بأسانيد. ١٧٥٥٩- ورواه أحمد موقوفاً باختصار وقال فيه: (فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل إنابة يحبه عليها) ١٧٥٦٠- وروى بعده بسنده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله. من "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " المجلد العاشر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد بهذا المعنى جاء عن سبعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم: أنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وشداد بن أوس، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، وأشهر هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد جاء من طرق كثيرة، روى بعضها الحافظ أبو يعلى في " المسند " (٦/٣٥١) .
وبعد الاطلاع على كلام أهل العلم على هذه الأحاديث، تبين أنها كلها ضعيفة ضعفا لا ينجبر ولا يتقوى بتعدد الطرق والأسانيد، وأنها مثال على الأحاديث التي تكثر طرقها ولكن لا تزيدها إلا ضعفا بسبب وجود المجاهيل والمناكير في أسانيدها.
قال الإمام البيهقي رحمه الله:
"روي هذا من أوجه أخر عن أنس رضي الله عنه، وروي عن عثمان وكل ذلك ضعيف" انتهى.
"الزهد" (٦٤٦) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" الموضوعات " (١/١٨٠) .
وقال الحافظ العراقي رحمه الله:
" موضوع قطعا " انتهى.
" القول المسدد " للحافظ ابن حجر (٩) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا حديث غريب جدا، وفيه نكارة شديدة " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (٥/٣٩٧) .
وضَعَّف الحديثَ محققو مسند الإمام أحمد من جميع طرقه (٢١/١٢) طبعة مؤسسة الرسالة.
وكذا ضعفه العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على " الفوائد المجموعة " (ص/٤٨٢) وقال:
" واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسناداً جديداً، أو يلقنه من يقبل التلقين، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتا عن بيان حاله " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس؛ فقد بلغت الخامسة والسبعين! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة) رواه البخاري وغيره. وهو مخرج مع بعض شواهده في " الصحيحة " برقم (١٠٨٩) . قال الحافظ في " الفتح " (١٠ / ٢٤٠) : " الإعذار: إزالة العذر. والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به. .... وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (٥٩٨٣-٥٩٨٤) .
على أن الحديث ـ إن صح ـ فله معنى صحيح، وهو أن يُحمل الحديث على أهل الاستقامة، فهؤلاء يكرمهم الله تعالى بما جاء في هذا الحديث، أما الفسقة الفجرة فلا يستحقون مثل هذا الإكرام.
قال الحافظ بن حجر:
"على أن للحديث عندي مخرجا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة وذلك أنه وإن كان لفظه عاما فهو مخصوص ببعض الناس دون بعض، لأن عمومه يتناول الناس كلهم، وهو مخصوص قطعا بالمسلمين، لأن الكفار لا يحميهم الله، ولا يتجاوز عن سيئاتهم، ولا يغفر ذنوبهم، ولا يشفعهم، وإذا تعين أن لفظة العام محمول على أمر خاص فيجوز أن يكون ذلك خاصا أيضا ببعض المسلمين دون بعض، فيخص مثلا بغير الفاسق، ويحمل على أهل الخير والصلاح، فلا مانع لمن كان بهذه الصفة أن يمن الله تعالى عليه بما ذكر في الخبر، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان والله المستعان" انتهى.
" القول المسدد " (٢٢-٢٤) .
فائدة:
ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر" (ص/٢٧٨) موعظة، لاعتبار الإنسان بما يمر من زمانه، وما يستقبل منه فقال:
"العاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار....
فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن.
كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير.
فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة، ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد.
وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده.
فإذا دخل في عشر الثمانين ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف.
نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب