للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عاقبة من لم يلتزم بالدين

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي عاقبة من لم يلتزم بالدين؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

كما تبين لك أن الإسلام هو دين الله , وهو الدين الحق , وهو الدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين وقد رتب الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة لمن آمن به , وتوعد بالعذاب الشديد من كفر به.

وبما أن الله هو الخالق المالك المتصرف في هذا الكون , وأنت أيها الإنسان خلق من خلقه ,وسخر لك جميع ما في الكون ,وشرع لك شرعه , وأمرك باتباعه ,فإن آمنت وأطعت ما أمرك به ,وانتهيت عما نهاك عنه , فزت بما وعدك الله به في الدار الآخرة من النعيم المقيم , وسعدت في الدنيا بما يمن عليك من أصناف النعم , وكنت متشبهاً بأكمل الخلق عقولاً , وأزكاهم نفوساً , وهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة المقربون.

وإن كفرت وعصيت ربك , خسرت دنياك وأخراك , وتعرضت لمقته وعذابه في الدنيا والآخرة , وكنت متشبهاً بأخبث الخلق , وانقصهم عقولاً ,وأحطهم نفوساً من الشياطين والظلمة والمفسدين والطواغيت , هذا على سبيل الإجمال.

وسأبين لك شيئاً من عواقب الكفر على وجه التفصيل وهي:

١-الخوف وعدم الأمن:

وعد الله الذين آمنوا به واتبعوا رسله بالأمن التام في الحياة الدنيا وفي الآخرة , قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) سورة الأنعام /الآية ٨٢ , والله هو المؤمن والمهيمن , وهو المالك لجميع ما في الكون , فإذا أحب عبداً لإيمانه منحه الأمن والسكينة والطمأنينة , وإذا كفر به المرء سلبه طمأنينته وأمنه فلا تراه إلاّ خائفاً من مصيره في الدار الآخرة وخائفاً على نفسه من الآفات والأمراض , وخائفاً على مستقبله في الدنيا , ولذا يقوم سوق التأمين على النفس وعلى الممتلكات , لعدم الأمن , ولعدم التوكل على الله.

٢- المعيشة الضنك:

خلق الله الإنسان, ووسخر له جميع ما في الكون , وقسم لكل مخلوق حظه من الرزق والعمر , فأنت ترى الطير يغدو من عشه ليجد رزقه فيلتقطه , وينتقل من غصن إلى غصن , ويتغنى بأعذب الألحان , والإنسان مخلوق من هذه المخلوقات التي قسم لها رزقها وأجلها , فإن آمن بربه , واستقام على شرعه , منحه السعادة والاستقرار , ويسر له أمره , وإن لم يتوافر له إلاّ أدنى مقومات الحياة.

وإن كفر بربه , واستكبر عن عبادته , جعل حياته ضنكاً , وجمع عليه الهموم والغموم , وإن ملك جميع وسائل الراحة , وأصناف المتاع. ألست ترى كثرة المنتحرين في الدول التي كفلت لأفرادها جميع وسائل الرفاهية؟ ألست ترى الإسراف في أصناف الأثاث وأنواع الأسفار من أجل الاستمتاع بالحياة؟ إن الذي يدفع إلى الإسراف في ذلك هو خلو القلب من الإيمان والشعور بالضيق والضنك , ومحاولة تبديد هذا القلق بوسائل متغيرة ومتجددة , وصدق الله حيث يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) . سورة طه / الآية ١٢٤.

٣-أنه يعيش في صراع مع نفسه ومع الكون من حوله:

ذلك أن نفسه فطرت على التوحيد قال تعالى: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) سورة الروم / الآية ٣٠ , وجسده استسلم لخالقه , وسار على نظامه فأبى الكافر إلاّ أن يناقض فطرته , ويعيش في أموره الاختيارية معارضاً لأمر ربه , فلئن كان جسده مستسلماً , فإن اختياره معارضاً.

وهو في صراع مع الكون من حوله , ذلك لأن هذا الكون كله من أكبر مجراته إلى أصغر حشراته يسير على التقدير الذي شرعه له ربه , قال تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين) سورة فصلت / الآية ١١, بل هذا الكون يحب من وافقه في استسلامه لله , ويكره من خالفه , والكافر هو النشاز في هذا الخلق حيث نصب نفسه معارضاً لربه مظاهراً عليه ولذا حق للسماوات والأرض وسائر المخلوقات أن تبغضه وتبغض كفره وإلحاده قال تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً * إن كل من في السماوات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً) سورة مريم / ٨٨, ٩٣ , وقال سبحانه عن فرعون وجنده: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) سورة الدخان / الآية ٢٩.

٤- أنه يعيش جاهلاً:

إذ الكفر هو الجهل , بل هو أعظم الجهل , لأن الكافر يجهل ربه ويشاهد هذا الكون الذي خلقه ربه فأبدعه , ويرى من نفسه عظيم الصنعة , وجليل الخلقة , ثم يجهل من خلق هذا الكون , ومن ركب نفسه , أليس هذا أعظم الجهل؟؟.

٥- أن يعيش ظالماً لنفسه , ظالماً لمن حوله:

لأنه سخر نفسه لغير ما خلقت له , ولم يعبد ربه , بل عبد غيره , والظلم هو وضع الشيء في غر موضعه , وأي ظلم أعظم من توجيه العبادة لغير مستحقها , وقد قال لقمان الحكيم مبيناً شناعة الشرك: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم) سورة لقمان / ١٣.

وهو ظلم لمن حوله من البشر والمخلوقات؛ لأنه لا يعرف لذي حق حقه , فإذا كان يوم القيامة قام في وجهه كل من ظلمه من إنسان أو حيوان يطلب من ربه أن يقتص له منه.

٦- أنه عرّض نفسه لمقت الله وغضبه بالدنيا:

فيكون عرضة لأن تنزل به المصائب وتحل به الكوارث؛ عقوبة عاجلة قال جل ثناؤه (أفأمِن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون - أو يأخذهم في تقلُّبهم فما هم بمعجزين - أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم) سورة لقمان / ١٣ , وقال سبحانه: (ولا يزال الذين كفروا تُصيبُهُم بما صنعوا قارعةُ أو تحُلُّ قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) سورة الرعد / ٣١ , وقال عز من قائل: (أو أمِن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون) سورة الأعراف / ٩٨.

وهذا شأن كل من أرض عن ذكر الله , قال تعالى مخبراً عن عقوبات الأمم الماضية الكافرة: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) سورة العنكبوت / ٤٠ , وكما ترى مصائب من حولك ممن حلت به عقوبة الله ونكاله.

٧- أن تكتب له الخيبة والخسران:

فبسبب ظلمه خسر أعظم ما تتمتع به القلوب والأرواح , وهو معرفة الله والأنس بمناجاته , والسكينة إليه , وخسر الدنيا لأنه عاش فيها حياة بائسة حائرة , وخسر نفسه التي كان يجمع من أجلها؛ لأنه لم يسخرها لما خلقت له , ولم يسعد بها في الدنيا , لأنها عاشت شقية ,وماتت شقية , وستبعث مع الأشقياء قال تعالى: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) سورة الأعراف / ٩ , وخسر أهله؛ لأنه عاش معهم على الكفر بالله , فهم مثله في الشقاء والضنك سواء , ومصيرهم إلى النار , قال تعالى: (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) سورة الزمر / ١٥ , وسورة الشورى / ٤٥.

ويوم القيامة يحشرون إلى النار , وبئس القرار , قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون - من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) سورة الصافات/الآيتان:٢٢ , ٢٣.

أنه يعيش كافراً بربه جاحداً لنعمه:

فإن الله أوجده من عدم , وأسبغ عليه جميع النعم , فكيف يعبد غيره , ويوالي سواه , ويشكر من دونه ... وأي جحود أعظم من هذا؟ وأي نكران أشنع من هذا؟ .

٩- أنه يُحرم الحياة الحقيقية:

ذلك أن الإنسان الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه , وعرف غايته , وتبين مصيره , وأيقن بمبعثه , فعرف لكل ذي حق حقه , فلا يغمط حقاً , ولا يؤذي مخلوقاً , فعاش عيشة السعداء , ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) سورة النحل / ٩٧ , وفي الآخرة: (ومساكن طيبةً في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) سورة الصف / ١٢.

أما من عاش في هذه الحياة عيشة شبيهة بحياة البهائم , فلا يعرف ربه , ولا يدري ما غايته , ولا يعلم أين مصيره؟ بل غايته أن يأكل ويشرب وينام ... فأي فرق بينه وبين سائر الحيوانات بل هو أضل منها قال جل ثناؤه: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهُمْ قُلُوب ٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) سورة الأعراف / ١٧٩ , وقال عز من قائل: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) سورة الفرقان / ٤٤.

١٠ - أنه يخلد في العذاب:

ذلك أن الكافر ينتقل من عذاب إلى عذاب فهو يخرج من الدنيا - وقد تجرع غصصها ومصائبها - إلى الدار الآخرة , وفي أول مرحلة منها تنزل به ملائكة الموت تسبقها ملائكة العذاب لتذيقه من العذاب ما يستحقه , قال تعالى: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) سورة الأنفال / ٥٠ , ثم إذا خرجت روحه ونزل في قبره لقي من العذاب أشده قال تعالى مخبراً عن آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) سورة غافر / ٤٦ , ثم إذا كان يوم القيامة وبعثت الخلائق , وعرضت الأعمال , ورأى الكافر أن الله قد أحصى عليه جميع أعماله في ذلك الكتاب الذي قال الله عنه: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) سورة الكهف / ٤٩ , هناك يود الكافر لو كان تراباً (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً) سورة النبأ / ٤٠.

ولشدة هول الموقف فإن الإنسان لو كان يملك جميع ما في الأرض لافتدى به من عذاب ذلك اليوم قال تعالى: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به) سورة الزمر / ٤٧ , وقال تعالى: (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه - وصاحبته وأخيه - وفصيله التي تؤويه - ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه) سورة المعارج / ١١ - ١٤.

ولأن تلك الدار دار جزاء وليست دار أماني فلا بد أن يلقى الإنسان جزاء عمله إن خيراً فخير , وإن كان شراً فشر , وشر ما يلقى الكافر في الدار الآخرة عذاب النار , وقد نوّع الله على أهلها أصناف العذاب ليذوقوا وبال أمرهم فقال تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون - يطوفون بينها وبين حميم آن) سورة الرحمن / ٤٣ - ٤٤ , وقال مخبراً عن شرابهم وملابسهم: (فالذين كفروا قُطعت لهم ثيابٌ من نَّارٍ يُصبُّ من فوق رءوسهم الحميم - يُصْهَرُ به ما في بطونهم والجلود - ولهم مّقامع من حديد) سورة الحج / ٩١ - ٢١.

[الْمَصْدَرُ]

من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤُه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>