هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل، أو ثلث الليل الأخير كله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اطّلعت على الفتاوي أرقام: ٣٤٨١٠ و ٢٢٤٣٨ وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم ٣٤٨١٠: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة أي أن طول الليل ٩ ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم ٣٤٨١٠. ولكني قرأت في الفتوى رقم ١٣٢٩٥٠ أن وقت جوف الليل الآخر هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ ٢٧٣) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل) . فمتى وقت النّزول الإلهي: هل هو وقت جوف الليل الآخر، أم ثلث الليل الأخير كله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) .
وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر"، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام الترمذي رحمه الله: " وهو أصح الروايات". "سنن الترمذي" (٢/٣٠٩) .
ولا يمنع ذلك أن يقال: إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين: الخامس والسادس، وأول هذا الثلث هو السدس الخامس؛ فلذلك يصح أن يقال: إن وقت النزول هو الثلث الأخير، وهو أيضا: السدس الخامس.
فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر؛ كما في رواية لمسلم (٧٥٨) : (فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) ؛ ازداد الأمر وضوحا، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل، وهو أيضا: السدس الخامس، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده.
على أنه قد يقال: إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) رواه الترمذي (٣٤٩٩) وحسنه الألباني.
هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث.
قال الخطابي رحمه الله:
" قوله (أي الساعات أسمع) ، يريد: أيها أوقع للسمع، والمعنى أيها أولى بالدعاء، وأرجى للاستجابة؟ وهذا كقول ضماد الأزدي، حين عرض عليه رسول الله الإسلام، قال: فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب.
وجوف الليل الآخر: إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى. "غريب الحديث"، للخطابي (١/١٣٤) .
وقال ابن الأثير رحمه الله:
" وفيه: (قِيل له: أيُّ اللَّيل أسْمَعُ؟ قال: جَوْف الليل الآخِرُ) ، أي: ثُلثُه الآخِرُ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى. "النهاية" (١/٨٤١) .
وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله:
" وجَوْفُ اللَّيْلِ: الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ: أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قال: (َوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ) أَي: ثُلُثُةُ الآخِرُ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم " انتهى. "تاج العروس" (٢٣/١٠٨) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب