طلقها مقابل نصف المهر بعد أن قذفها فهل له الحق في هذا المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني فتاه ملتزمة، ولله الحمد، ولقد حدثت بيني وبين زوجي - الذي لي منه ابنة - مشكلة ذهبت بسببها إلى بيت والدي؛ حيث إنه شك فيَّ واتهمني في عرضي وشرفي بدون أي أسباب مقنعة، ثم يعتذر، ويرجع مرة أخرى للاتهامات، وتكرر ذلك منه عدة مرات؛ مما أكد لي أن به مرض الوسواس، فلم أعد أحتمل، فذهبت إلى أهلي، وبعد ذهابي إليهم مكثت عندهم أربعة أشهر، لم يزدد فيها زوجي إلا عناداً وإصراراً على موقفه بدون إثبات أي دليل ضدي، وبعدما ذهب إليه أخي للتفاهم معه وجده مصرّاً على موقفة، وأنه يطلب مني أن أستتاب، وازداد الموقف سوءًا بينهما، وأساء إلى والدي وإلى تربيته لي، عندها أصرَّ أخي ووالدي على طلاقي منه، وإلا فسوف يحيل مشكلتنا للقضاء، وعليه أن يثبت ما لديه من اتهامات ضدي، فطلب زوجي مقابل طلاقه لي نصف المهر، ولكن بعد فترة طلقني من غير أن نعطيه أي مبلغ، وسكت هو عن ذلك، ولم يعد يطالب مرة أخرى بالمال.
والآن، قد عوضني الله بزوج آخر ملتزم، ولله الحمد، وقد نبهني زوجي الثاني إلى أنه قد يكون لزوجي الأول مال لدي، وبسبب خشيتي من الحرام وأكل مال الناس وحقوقهم، أرجو إفتائي في هذا الأمر، مع العلم أنني لا أملك ذلك المال، وأنني لم أطالبه بأي مصاريف لابنته، وهو أحيانا يرسلها، وأحيانا لا يرسل، فهل له أي حق مالي عندي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قذف الزوج زوجتَه واتهامها بشرفها من كبائر الذنوب، وهو موجب للحدِّ ورد شهادته، ولا بدَّ له من بينة شرعية لإثبات الفاحشة، أو يلاعن.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
[ويدل لذلك] : قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلَاّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: (عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي. " المغني " (٩ / ٣٠) .
وعليه: فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي زوجته، وعليه أن يكف عن الكلام المسيء، والكلام على زوجته طعن في شرفه وعرضه هو، وعليه أن يكذِّب نفسه ويبرئ زوجته مما افتراه عليها، فإن لم يفعل فإنه مستحق لما رَّتبه الله تعالى على فعله من الحد ورد الشهادة والفسق، ولها حق طلب الطلاق منه، وعليه أن يؤدي لها حقوقها كاملة.
ثانياً:
التضييق على الزوجة باتهامها بالباطل وإيذائها وضربها لتتنازل عن مهرها أو عن شيء منه يسمى " العضل "، وهو محرَّم إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، فإن فعل الزوج فإنه غير مستحق لما تتنازل عنه زوجته، ويجب عليه أن يرجعه لها، وإن رفض تطليقها فلها أن تفتدي نفسها منه وتتنازل عن مهرها أو أقل أو أكثر، فإن كان كاذبا ظالماً فما أخذه منها سحت وحرام، وإن كان صادقاً فما أخذه حلال له، على أن يُثبت ما يستوجب الحد بشهود أربعة أو ملاعنة، وهذا في حال أنه يشهر بها ويقذفها علانية، أما إذا رأى فاحشة عليها فيما بينه وبين ربه، فإن له أن يعضلها ليضيق عليها لتفتدي نفسها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن رجل اتهم زوجته بفاحشة؛ بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع، إلا ادَّعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس، فأنكرت ذلك، ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة، فاستدعوا بها لتقابل زوجها على ما ذكر، فامتنعت خوفا من الضرب فخرجت إلى بيت خالها، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال، حقها وادعى أنها خرجت بغير إذنه، فهل يكون ذلك مبطلا لحقها، والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع؟ .
فأجاب:
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله.
وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو، فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه، فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه، وإذا قال إنه أرسلها لى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت، فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم، أو قالوا لم تأت إلينا، وإلى العرس لم تذهب؛ كان هذا ريبة ن وبهذا يقوى قول الزوج.
وأما الجهاز الذي جاءت به من بيت أبيها، فعليه أن يرده عليها بكل حال، وإن اصطلحوا فالصلح خير.
ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج؛ فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى (فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) .
" مجموع الفتاوى " (٣٢ / ٢٨٣، ٢٨٤) .
ثالثاً:
والذي يظهر لنا أنه لا حق له عندكِ، وأن ما طلبه من نصف المهر ليس حقّاً شرعيّاً له، ويبدو أنه راجع نفسه أو أن أحداً أخبره بذلك، ولذلك لم يطالب به، كما أنه قد يكون جعل نصف المهر مقابل رعايتك لابنته ونفقتك عليها.
وبكل حال: فهو لم يأتِ بشهود على ما قذفك به، ولم يلاعن، ولم يرَ شيئاً يجعله غير آثم بينه وبين ربه، وكل ذلك يجعل الحق لكِ لا له – بحسب سؤالك وما جاء فيه -، فليس له ما اشترطه من نصف المهر.
وبارك الله لك في زوجك الجديد الذي يسره الله لكِ؛ وجزاه خيرا على ما وجهك للسؤال والاستفسار عن حقوق زوجك الأول، وهو يدل على خلق عظيم ودين متين.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يجعله خير خلَفٍ لك ولابنتك، وأن يجمع بينكما في خير، وأن يرزقكما ذرية طيبة.
ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك الأول للتوبة الصادقة، وأن يشفيه إن كان مريضاً، وأن يخلف عليه خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب