للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حلف بالمصحف ألا يفعل معصية ثم فعلها

[السُّؤَالُ]

ـ[كنت أرتكب معصية فوضعت يدي على المصحف، وأقسمتُ أني لن أعود إلى هذا الفعل مرة أخرى، علماً أنى أريد إرضاء الله، والتشديد على نفسي بالامتناع عن ذلك الفعل بالقسم، ثم وقعت في تلك المعصية، مرة ناسياً القسم، ومرتين متذكراً القسم، فهل من توبة؟ هل من كفارة؟ وما هي؟ علماً بأني طالب، ومازلت آخذ أموالي من والدتي، ولا أعلم مساكين في بلدي - لكن يوجد أكيد الكثيرين، لكن لست أعرفهم - كما أن تلك الأموال قد ترهق أمي ماديّاً، ولكنها ستعطيني إياها إن طلبتها، وأسألكم الدعاء لي بأن تدمع عيني، ويخشع قلبي، ويستجاب لي.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يطهِّر قلبك وجوارحك، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يجنبك الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

أما فعلك للمعصية نسياناً لليمين، فلا كفارة عليك فيه.

وأما فعلك للمعصية عامداً، ذاكراً ليمينك مرتين: فإن عليك كفارة يمين واحدة.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية: أن يثبت على يمينه، وألا يعصي الله عز وجل، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها: فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا مَن عجز عن هذه الأشياء الثلاثة: العتق، والإطعام، والكسوة، وأما مَن قدِر: فلو صام ثلاثة أشهر: لا يجزئه.

وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة، ثابتاً، وألا يجالس أهل المعصية التي تاب منها، بل يبتعد عنهم، حتى يستقر ذلك في نفسه" انتهى.

" فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين - (الشريط رقم ٣٧٤، وجه ب) .

وبما أنك تخبر أنك طالب، وأنك لا تستطيع الإطعام ولا الكسوة: فعليك بصيام ثلاثة أيام، كفارةً لهذا اليمين، والأولى أن تكون متتابعة، ولو صمتها مفرقة فلا حرج في ذلك.

وانظر جواب السؤال رقم: (١٠٣٤٢٤) .

مع التنبيه على أن هذه الكفارة هي مقابل حنثك في يمينك، لا في مقابل المعصية، وإنما تحتاج لتوبة صادقة من فعل تلك المعصية.

ثانياً:

أما تغليظ اليمين بوضع اليد على المصحف: فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، بل الظاهر أنه بدعة، واليمين ينعقد بالقسم نفسه، ولا حاجة لتغليظه بوضع اليد على المصحف.

قال القرطبي رحمه الله:

وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف، قال ابن العربي: وهو بدعة، ما ذكرها أحد قطُّ من الصحابة.

" تفسير القرطبي " (٦ / ٣٥٤) .

وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله رادّاً على من أجاز تغليظ اليمين بالمصحف -:

قال الشافعي: رأيتهم يؤكدون بالمصحف، ورأيتُ " ابن مازن " وهو قاضي بصنعاء يغلظ بالمصحف.

قال أصحابه: فليغلظ عليه بإحضار المصحف؛ لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه.

(قال ابن قدامة) : وهذا زيادة على ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اليمين، وفعلَه الخلفاء الراشدون، وقضاتُهم، من غير دليل، ولا حجة يستند إليها، ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لفعل ابن مازن، ولا غيره.

" المغني " (١٢ / ١١٩) .

واعلم أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده النادمين، وأنه تعالى يحب التوابين، ويحب المتقين، فإذا أريت الله صدقاً في توجهك وتقربك لك: أعانك، ووفقك، وسددك، ورقق قلبك، وأدمع عينك.

واعلم أنه إن قسا القلب: قحطت العين، فإذا أردت رقة القلب، ودمع العين: فعليك بالطاعات، فافعلها، وبالمعاصي، فاهجرها، واحرص على الصحبة الطيبة، ومجالس العلم، وعلى أذكار الصباح والمساء، وعلى ورد قرآني تقرأه كل يوم، واحرص على القيام والصيام، فهما يرققان القلب، ويهذبان الجوارح، بتوفيق الله، وفضله.

واحذر من القنوط من رحمة الله، فالله تعالى عفوٌّ، يحب العفو، فسارع إلى ربك بتوبة صادقة، واعزم على عدم العود لكل ما يُسخط ربك تعالى.

وللفائدة: انظر جواب السؤال رقم: (٢٣٤٩١) .

ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يخشونه حق خشيته.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>