للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعويض ميراث النساء بالهدايا

[السُّؤَالُ]

ـ[ما قولكم في من يعوض ميراث النساء بالهدايا؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

كان مال الميت في نظام الجاهلية الجائر ينتقل إلى الكبير من أبنائه، فإن لم يكن فإلى أخيه أو عمه، فلا يورثون الصغار، ولا الإناث، بحجة أن هؤلاء لا يَحْمُون الذِّمار، (والذِّمار: كل ما يجب على الإنسان أن يحميه ويدافع عنه من الأهل والعِرْضِ، ونحو ذلك) ولا يقاتلون ولا يحوزون المغانم.

كان هذا منطق الجاهلية الذي أصبح يحيك في صدور بعض من انتكست فطرته في هذا العصر، وقد جاء الإسلام معلنا بطلان نظام الجاهلية في التوريث إجمالا بقوله تعالى:

(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء/٧، ثم نزلت الآيات مبينة تفاصيل توزيع التركة بين النساء والرجال كل ذلك بعدل وحكمة من أحكم الحاكمين. [انظر التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ص ١٧]

ومنه تعلم أن حرمان النساء من الميراث دون سبب شرعي جريمة من الجرائم، وعدوان على شريعة الله، وتعد على حدوده سبحانه، وقد قال تعالى بعد آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/١٣-١٤، وثبت في حديث أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) رواه مسلم (١٣٧)

وأما تعويض النساء عن حقهن في الميراث بالهدايا أو غير ذلك فلا يغني من الحق شيئا، ولا يزال الإثم يلحق من فعل ذلك مهما قُدِّم، حتى لو قدم لهن من الهدايا ما يفوق الميراث، لأنه يُقَدَّمُ على أنه هدية، ولم يقدم لهن حقهن الشرعي في الميراث.

ولو قدمه على أنه تعويض عن حقهن في الميراث لمن ينفعه ذلك أيضاً، لأن الهدية شيء، والبيع والمعاوضة شيء آخر، فلا بد من انتقال حقهن في الميراث إليهن، ولا بد من تمكنهن من التصرف فيه بإبقائه على ما هو عليه، أو بيعه، أو هبته، أو غير ذلك مما يحق للمالك في ملكه.

وأما أن يبقى الميراث تحت تصرف الرجال، فيضطر النساء – إلى بيعه إليهم – أو التنازل عنه بعوض عنه، أو بغير عوض، فلا يجوز، بل هو غصب وظلم، لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/٢٩

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) رواه ابن ماجة (٢١٨٥) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (٢٠١٧٢) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (٧٦٦٢)

وهكذا الحال لو كان الدافع إلى البيع الحياء من الرجال، والحرص على رضاهم وودِّهم، لعموم الأدلة السابقة.

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:

" فلا يصح – أي البيع – من المكره إلا بحق، فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها فإن البيع لا يصح، لأنها صدرت عن غير تراض، ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً أو خجلاً فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه مادمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك " اهـ الشرح الممتع (٨/١٢١)

ويشتد الإثم ويعظم إذا كانت المرأة المحرومة من الميراث يتيمة، أي لم تبلغ فمات والدها، وحرمت من الميراث، لأن ذلك داخل في الاعتداء على حدود الله، وهو داخل أيضا في أكل أموال اليتامى، وقد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/١٠.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>