للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رأي المسلمين في المسيحيين، وهل الجهاد الذي كان يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو رأي المسلمين في المسيحيين؟ ولماذا يوجد كل هذه البلبلة؟ أبسبب الحملات الصليبية؟ وهل الجهاد الذي كانوا يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا؟ ألا يمكن للثقافتين القبول بأن الرب والله هما نفس الخالق؟ حيث إن كليهما يوصفان بطريقة مشابهة كثيرا، وأنا أتساءل: إن قبلت الثقافتين بأن الرب والله يعودان للخالق نفسه ألا يساهم ذلك في حل العديد من المشاكل؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

المسلمون يرون المسيحيين على طائفتين:

الأولى: من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام في زمن عيسى، أو بعده، قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء مؤمنون صالحون موحدون، يؤمنون بأن عيسى رسول عظيم مرسل من الله تعالى، ويؤمنون بغيره من الرسل كإبراهيم وموسى.

وأما من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهذا شأنه أعظم، وله أجران كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم.

والطائفة الثانية: من انحرف عن التوحيد واعتقد في عيسى أنه الله أو ابن الله أو قدم له شيئا من العبادة كالصلاة والدعاء، فهذا مخالف لعيسى ولغيره من الرسل، متبع للتحريفات التي أدخلها القساوسة والرهبان على الدين الحق الذي أتى به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى.

وكذلك من سمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يؤمن به ولم يتبعه، فهذا مخالف للمسلمين، ولعيسى عليه السلام الذي بشر بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا الموقف العقدي موقف ثابت، ليس ناتجا عن الحروب الصليبية أو ظلم المستعمرين وطمعهم في بلاد الإسلام. فلو أن أحداً أنكر رسالة عيسى عليه السلام أو رسالة موسى عليه السلام أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كان كافرا. ولو أن أحداً أنكر إنزال هذا القرآن من عند الله، أو سخر منه لكان كافرا، لأن القرآن منزل من عند الله تعالى.

وأما الجهاد فإنه باق إلى يوم القيامة، وهدفه: إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس , وتحرير الإنسان من القوى الظالمة التي تحجب عنه النور، وتمنعه من التفكير في الحق، وتخضعه لأحكام مخالفة لأحكام الله تعالى. وليس هدف الجهاد أن يكره أحدا على الدخول في الإسلام، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/٢٥٦.

ثانياً:

ما ذكرته عن الرب والله والخالق، دليل على استقامة فطرتك، وصحة عقلك، وهذا ما يعتقده المسلمون، فالرب هو الله وهو الخالق الذي لا خالق غيره، ولا رب سواه. ولا يستحق أن يُعبد غيره. فالخالق الرازق المدبر، هو الله، الذي لا إله غيره، ولا يجوز أن نعبد سواه. وهذا الإله لا يمكن أن يكون مثل البشر له ولد أو زوجة، تعالى الله عن ذلك.

وأيضا هذا الإله لا يمكن أن يحل في بشر، فيأكل ويشرب ويجوع ويعطش، ويضرب ويصلب.

فعقيدة الإسلام عقيدة سهلة موافقة للعقل والمنطق: هناك خالق ومخلوق. الخالق هو الله تعالى، والمخلوق كل ما سواه، من سماوات وأرض وشمس وقمر وإنس وجن. والله تعالى من رحمته أن أرسل رسلا إلى الناس، يدعونهم إلى الله، ويدلونهم على الخير، ومن هؤلاء الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم جميعا. وقد أيد الله هؤلاء الرسل بالآيات، وهي أمور خارقة لا يستطيع الناس أن يأتوا بمثلها، وتكون مناسبة للعصر والبيئة التي بعث فيها الرسول: فمنهم من ألقي في النار فلم تؤذه كإبراهيم، ومنهم من كان يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله كعيسى، ومنهم من أوتي القرآن، وتحدى جميع العرب الفصحاء أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأنطق الله له الجماد والحيوان، فسبح الحصى في كفه، وشكى إليه الجمل ما يلاقيه من كثرة العمل، إلى غير ذلك من المعجزات الكثيرة.

ولو تأمل العاقل: ما الذي يمنع المسيحيين من الاعتقاد بأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله، شأنه شأن إبراهيم وزكريا ويحيى عليهم السلام؟

وبهذا تنتهي المشكلة، ويتفق العقل مع الفطرة والوحي. وأن عيسى عليه السلام دعا إلى الله، وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن أعداءه حاولوا قتله، فنجاه الله تعالى، فما صلب ولا قتل، بل وقع الشبه على أحد أصحابه، كما قال القرآن: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/١٥٧.

وبهذا يؤمن الجميع بالله الرب الخالق، المعبود وحده، ويؤمنون برسله الكرام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، ثم يتبعون شريعة آخرهم وخاتمهم، محمد صلى الله عليه وسلم.

وليس هذا مجال المقارنة بين سهولة هذه العقيدة وموافقتها للفطرة، في مقابل الاضطراب والتناقض الموجود في العقيدة النصرانية، لكن لنضرب مثالا واحدا، وهو موضوع الصلب والفداء:

فإن النصارى يكررون دائما بأن الله أرسل ابنه الوحيد ليرفع الخطيئة عن البشر، ويرون ذلك مثالا للرحمة والعدل، ونحن نسأل: أي عدل وأي رحمة في أن يعذب الله ابنه الوحيد - بزعمهم - على خطيئة لم يقترفها؟!

وأي عدل في أن تنتقل خطيئة آدم إلى بنيه، ثم يحتاجون إلى تكفيرها؟!

وأي عدل ورحمة في أن يتأخر تكفير هذه الخطيئة آلاف السنين، ما بين آدم إلى زمن عيسى عليه السلام؟!

وأي عدل ورحمة في أن يتوقف تكفير الخطايا على صلبٍ وألم ومحنة، وقد كان يتم تكفيرها - لدى اليهود بالتوبة والقربان؟!

لكن النصارى لما آمنوا بالصلب، أرادوا أن يرفعوا عن المسيح تلك السبّة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن، فادعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي والهدف الأسمى من رسالة المسيح!

انظر: سفر التثنية (٢١/٢٢) وفيه: (لأن المعلق - المصلوب - ملعون من الله) .

ولا شك أن الإيمان بعقيدة النصارى في الصلب والفداء تلزم منه لوازم باطلة منها:

١- أن يكون الأنبياء السابقون وعباد الله الصالحون كلهم هالكين؛ إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة قبل موتهم.

٢- أن يكون اليهود هم أعظم الناس منة وفضلا على النصارى والعالم، لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم هذا الهدف الأسمى وهو صلب المسيح!

٣- أن يرتع الناس في الشر والإثم، آمنين من عقاب الله، لأن الخطيئة الكبرى قد كفرت عنهم، ولأن الله سيغفر لهم كل خطيئة كما يدعون.

٤- ولو كان المسيح مصلوبا باختياره كما يقولون، لما صرخ بعد الصلب وقال: (إيلي إيلي لم شبقتني؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟!) "مرقس" (١٥/٣٤) .

وأخيرا.. نسأل الله تعالى أن يوفقك في بحثك عن الإسلام، وأن يهديك ويشرح صدرك لمعرفة الحق واتباعه أينما كان. ونرجو أن يكون ما ذكرناه فيه إجابة على أسئلتك، وإن كانت المواضيع التي أثرتها تحتاج إلى تفصيل أكثر من هذا، لكن نحن نسعد بالتواصل معك والإجابة على استفساراتك دائما.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>