للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما هي المشقة التي تجيز صلاة الفريضة قاعداً؟

[السُّؤَالُ]

ـ[متى يجوز للمريض أن يصلي قاعداً، لأنه يمكن أن يتحمل القيام، ولكن بمشقة شديدة جداً؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

سبق في إجابة السؤال (٥٠٦٨٤) أن القيام ركن في صلاة الفريضة، فلا تصح صلاة من صلى قاعداً وهو قادر على القيام، وأن هذا الركن كغيره من الواجبات يسقط مع العذر.

قال النووي في المجموع (٤/٢٠١) :

" أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلاهَا قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ عَلَيْهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ , لأَنَّهُ مَعْذُورٌ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا) " انتهى.

وضابط العذر الذي يسقط القيام، ويجيز صلاة الفريضة قاعدا:

١- أن يعجز عن القيام.

٢- أن يزيد به المرض.

٣- أن يتأخر به الشفاء.

٤- أن يشق عليه مشقة شديدة تذهب الخشوع، فإن كانت المشقة أقل من ذلك لم يجز له القعود.

روى البخاري (١١١٧) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) .

قال الحافظ:

" قَوْله: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لا يَنْتَقِل الْمَرِيض إِلَى الْقُعُود إِلا بَعْد عَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام , وَقَدْ حَكَاهُ عِيَاض عَنْ الشَّافِعِيّ , وَعَنْ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: لا يُشْتَرَط الْعَدَم بَلْ وُجُود الْمَشَقَّة , وَالْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الاسْتِطَاعَة وُجُود الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة بِالْقِيَامِ , أَوْ خَوْف زِيَادَة الْمَرَض , أَوْ الْهَلاك , وَلا يُكْتَفَى بِأَدْنَى مَشَقَّة. وَمِنْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة دَوَرَان الرَّأْس فِي حَقّ رَاكِب السَّفِينَة وَخَوْف الْغَرَق لَوْ صَلَّى قَائِمًا فِيهَا. . . .

وَيَدُلّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: (يُصَلِّي قَائِمًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة فَجَالِسًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة صَلَّى نَائِمًا) " انتهى من فتح الباري.

وحديث ابن عباس الذي ذكره الحافظ، ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٢٨٩٧) وقال:

" رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي، قلت (الهيثمي) : ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات " انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني (١/٤٤٣) :

" وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ , إلا أَنَّهُ يَخْشَى زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِهِ , أَوْ تَبَاطُؤَ بُرْئِهِ , أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ. . . لقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وَتَكْلِيفُ الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَرَجٌ , وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى جَالِسًا لَمَّا جُحِشَ (أي جُرح) شِقُّهُ الأَيْمَنُ , وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ; لَكِنْ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ سَقَطَ عَنْهُ " انتهى.

وقال النووي في المجموع (٤/٢٠١) :

" قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ أَنْ لا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ، وَلا يَكْفِي أَدْنَى مَشَقَّةٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ , فَإِذَا خَافَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ الْغَرَقَ أَوْ دَوَرَانَ الرَّأْسِ صَلَّى قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ , وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي أَرَاهُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لأَنَّ الْخُشُوعَ مَقْصُودُ الصَّلاةِ " انتهى.

وهذا الذي اختاره إمام الحرمين هو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين، فإنه قال:

" الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقاً عظيماً ولم يطمئن وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله: فهذا شق عليه القيام، فيصلي قاعداً " انتهى من "الشرح الممتع" (٤/٣٢٦) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>