هل يجوز عمل صمام للقلب المريض من جلد الخنزير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي إحدى قريباتي تعاني من ضيق في الصمام، وقد قررت لها عملية في إحدى الدول الغربية، وهناك خياران لعمل قناة داخلية للصمام: إما أن تكون القناة من المعدن، ويترتب عليه ترسب الدم حوله، مما يجبرها على أخذ عقاقير معينة طيلة حياتها لإزالة هذه الرواسب، أو أن تكون القناة من جلد الخنزير، الأمر الذي لا يترتب عليه ما يترتب على القناة المعدنية، فهل يجوز لها اختيار جلد الخنزير لعمل هذه القناة الداخلية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف الفقهاء في طهارة جلد الخنزير بالدباغ، فذهب الشافعي إلى أن الدباغ يطهر جميع أنواع الجلود ما يؤكل منه وما لا يؤكل ما عدا الكلب والخنزير، وذهب أبو حنيفة إلى استثناء الخنزير فقط، ورأى الإمام أحمد ومالك أن جلود الميتة كلها لا تطهر بالدباغ، ومنها الخنزير، وعن أحمد رواية أنه يطهر بالدباغ جلد ما كان طاهراً في الحياة، ولو كان غير مأكول اللحم، ورواية أخرى أنه لا يطهر بالدباغ إلا جلد مأكول اللحم فقط.
وذهب داود الظاهري وابن حزم – ويروى عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وبعض المالكية كسحنون وابن عبد الحكَم وعبد المنعم بن الفرس - والشوكاني من المتأخرين: إلى طهارة جميع الجلود بالدباغ بما في ذلك الكلب والخنزير.
ثانياً:
واختلف العلماء في حكم الانتفاع بجلد الخنزير بعد دباغته، فأما من ذهب إلى طهارته بعد الدباغ فلا يشك في جواز استعماله عنده لعموم الاستعمالات، وبعض من قال بعدم تطهير الدباغ لجلد الخنزير قالوا بجواز الانتفاع به في اليابسات دون المائعات، وهو رواية عن الحنابلة، ومعنى ذلك: أنه يصح أن يكون وعاء يوضع به الحبوب، كما يشمل ذلك استعماله في اللبس كالحذاء وغيره.
وفي " الموسوعة الفقهية " (٢٠ / ٣٤) :
"اتّفق الفقهاء على أنّه لا يطهر جلد الخنزير بالدّباغ ولا يجوز الانتفاع به لأنّه نجس العين، والدّباغ كالحياة، فكما أنّ الحياة لا تدفع النّجاسة عنه، فكذا الدّباغ..........
وروي عن أبي يوسف أنّ جلد الخنزير يطهر بالدّباغ.
ويقابل الرّواية المشهورة عند المالكيّة ما شهره عبد المنعم بن الفرس من أنّ جلد الخنزير كجلد غيره في جواز استعماله في اليابسات والماء إذا دبغ سواء ذكّي أم لا " انتهى.
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (١٦٩٥) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ، ونقلنا في جواب السؤال رقم (١٣٢١٣) عن الشيخ ابن باز – رحمه الله – أن الأحوط تركه ولو بعد الدباغ لوجود الخلاف فيه.
ثالثاً:
يتبين مما سبق أن طهارة جلد الخنزير بالدباغ من المسائل الاجتهادية، وليس الأمر كحكم لحم الخنزير، فإن تحريم لحمه من مسائل الاتفاق التي لا يجوز الخلاف فيها.
وعلى القول بطهارة جلد الخنزير بالدباغ فلا إشكال في جواز استعماله.
وعلى القول بعدم طهارته بالدباغ لا شك في جواز استعماله إذا كانت هناك ضرورة، وإذا كان لحمه الذي اتفق على حرمته يجوز تناوله للضرورة: فإن استعمال جلده المدبوغ والذي اختلف فيه أولى بالجواز والإباحة.
رابعاً:
أما بخصوص استعمال جلد الخنزير في صنع صمام للقلب: فإذا لم يمكن صنع الصمام من جلد طاهر فإنه يجوز صنعه من جلد الخنزير للضرورة، ويقدَّم على المعدن الذي يتسبب في أخذ أدوية باستمرار قد تؤدي إلى أضرار جانبية كثيرة.
قال النووي رحمه الله:
"إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر، قال أصحابنا - يعني: الشافعية -: ولا يجوز أن يجبره بنجس، مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبره بنجس نُظر، إن كان محتاجاً إلى الجبر، ولم يجد طاهراً يقوم مقامه: فهو معذور، وإن لم يحتج إليه ووجد طاهراً يقوم مقامه: أثم، ووجب نزعه إن لم يخف على نفسه تلف نفسه، ولا تلف عضو " انتهى.
" المجموع " (٣ / ١٤٥) .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي – تعليقاً على كلام النووي -:
"فبيَّن رحمه الله أن الأصل يقتضي حرمة التداوي بالعظم النجس، وينبغي أن يقدم عليه العظم الطاهر، فإن لم يجد وجبره بعظم نجس: فإنه ينبغي أن يتحقق شرطان:
الأول: أن يكون محتاجاً إلى جبر عظمه.
الثاني: ألَاّ يجد طاهراً يقوم مقامه.
فإن تخلَّف أحد الشرطيْن: فإنه لا يجوز له الجبر بالنجس، ويُعتبر آثماً لو جبر به، ويجب عليه نزعه، بشرط عدم خوف التلف على نفسه، أو عضو من أعضائه.
وبناءً على هذا التفصيل: فإن التداوي بنقل أعضاء الحيوان في هذا الضرب – [أي: الحيوان غير الطاهر] – ينبغي أن يتحقق فيه شرطان:
الأول: أن يكون الشخص المريض محتاجاً إلى نقل عضو الحيوان النجس إليه، ويتحقق هذا الشرط بشهادة الأطباء المختصين بهذه الحاجة.
والثاني: ألَاّ يوجد العضو الطاهر الذي يمكن أن يقوم مقامه.
فإذا تحقق هذان الشرطان: فإنه لا حرج في قيام الطبيب الجرَّاح بنقل العضو النجس وجزئه، ولا يُعتبر وجود ذلك العضو النجس في جسم المريض مؤثراً في صلاته وعبادته التي يًُشترط لها الطهارة؛ نظراً لمكان العذر الموجب للترخيص وجود هذه النجاسة" انتهى.
" أحكام الجراحة الطبية " (ص ٢٦٨) .
وهكذا قرَّر مجلس " المجمع الفقهي الإسلامي " جواز "أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إن جراحي القلوب قد يضعون عِرقاً أو شرياناً معدنيّاً، وقد يضعون – أيضاً - شرياناً يأخذونه من الخنزير , مع أن الشريان الذي من المعدن قد يصيبه الصدى , والشريان الذي من الخنزير يكون أحسن، وقد يلتحم ويصير وكأنه من الإنسان نفسه , فما حكم ذلك؟ .
فأجاب:
" لا بأس به، أي: لا بأس أن يَصِل إنسانٌ شريان قلبه بشريان حيوان آخر , وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل، إنما حرم الله أكل الخنزير، وهذا ليس أكلاً , وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا: فهذا من باب الضرورة , وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/١١٩ " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (١٠٦ / السؤال رقم ٢)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب