من الأفضل والأعلم أبو بكر وعمر أم علي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردنا أن نكون حياديين بالنسبة لسيدنا على بن أبي طالب فهو أعلى منزلة من الصحابة، فالحديث يمتدحه ليس فقط كمجاهد ولكن كشخص مثالي وبعلمه وفقهه، حتى إن أبا بكر وعمر دائماً يسألانه عما يشكل عليهما ولا يعرفان إجابته، فكيف تكون مرتبتهما أعلى من مرتبته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الصحابي الجليل على بن أبي طالب رضي الله عنه كان من أعقل الناس وأحزمهم، وقد اشتهر بالشجاعة والإقدام، وهو أول من أسلم من الصبيان، ثم لازم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، وعند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بصحبة أبي بكر رضي الله عنه خلَفه فنام على فراشه، ومن مناقبه رضي الله عنه ما ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه، فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: أين علي؟ فقيل يشتكي عينيه، فأمر فدعي له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء) رواه البخاري ٢٩٤٢، ومسلم ٢٤٠٦.
وكما أن لعلي رضي الله عنه فضائل ومناقب، فلغيره من الصحابة رضوان الله عليهم فضائل أخرى ومناقب، فمن مناقب أبي بكر رضي الله عنه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال: يا أبا بكر، لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) رواه البخاري ٤٦٦، ومسلم ٢٣٨٢.
ومن مناقبه صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما قال تعالى {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} التوبة / ٤٠.
ومنها ما ثبت عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: (فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، فقلت من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا) رواه البخاري ٣٦٦٢، ومسلم ٢٣٨٤
ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في آخر حياته للصلاة بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وشدد على من اعترض عليه وقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) رواه البخاري ٦٨٣، ومسلم ٤١٨
ومن مناقبه ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري ٣٦٧٥، وغير ذلك.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فله مناقب وفضائل ثابتة أيضا، فمن ذلك ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال الدين) رواه البخاري ٢٣، ومسلم ٢٣٩٠
ومن ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم) رواه البخاري ٨٢، ومسلم ٢٣٩١
ومنه ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم) رواه مسلم ٢٣٩٨
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضائل الصحابة رضوان الله عليهم ومناقبهم، إلا أن تفضيل بعضهم على بعض وارد عقلا وثابت شرعا، وليس ذلك بالتشهي أو الهوى، وإنما مرد ذلك إلى الشرع، كما قال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} القصص / ٦٨.
ولنرجع إلى الأدلة الشرعية التي تبين مراتب الصحابة رضوان الله عليهم ومنازلهم، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: " كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم " رواه البخاري ٣٦٥٥، وفي رواية قال: " كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم " البخاري ٣٦٩٧
فهذه شهادة الصحابة كلهم ينقلها عبد الله بن عمر على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه على سائر الصحابة، ثم تفضيل عمر رضي الله عنه بعده، ثم عثمان.
ولندع المجال لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - نفسه ليدلي بشهادته، فعن محمد بن الحنفية - وهو ابن علي بن أبي طالب - قال: (قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين) رواه البخاري ٣٦٧١
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: " لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى ذلك عنه من أكثر من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد " منهاج السنة ١ / ٣٠٨
وعن أبي جحيفة: " أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر رضي الله عنه، وقال يجعل الله تعالى الخير حيث أحب " رواه الإمام أحمد في مسنده ٨٣٩، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: " إسناده قوي "
فهذه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة رضي الله عنهم كلها شاهدة على عقيدة أهل السنة والجماعة والتي لا خلاف بينهم عليها، أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عن الصحابة أجمعين.
أما كون أبي بكر وعمر يسألان عليا دائما ولا يعرفان، فلم يثبت هذا في أثر مطلقا، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصلي أبو بكر رضي الله عنه بالناس في مرض موته، ولا يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بأحكام الصلاة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر رضي الله عنه على الحج قبل حجة الوداع، ولا يولي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على هذا المقام إلا وهو أعلمهم به، بل ثبت أن عليا تعلم بعض الأحاديث من أبي بكر رضي الله عنهما عن بعض المسائل، فعن أسماء بن الحكم الفزاري قال: " سمعت عليا يقول: إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} إلى آخر الآية) رواه الترمذي ٤٠٦، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي (٣٦٨٢) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (٢٩٠٨) .
وقد سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم)
فالحاصل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة، والذي أجمعوا عليه، أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهم أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين: إن عليا أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر بل ولا من أبي بكر وحده، ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غير واحد من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروذي، أحد أئمة السنة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه: " تقويم الأدلة على الإمام " إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي، وما علمت أحدا من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهي ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعا ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن هذه المرتبة لغيره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه: يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه، مثل قصة مشاورته في أسرى بدر، فأول من تكلم في ذلك أبو بكر وعمر، وكذلك غير ذلك .......... وفي صحيح مسلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر فقال: (إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا) ، وقد ثبت عن ابن عباس: أنه كان يفتي من كتاب الله، فإن لم يجد فبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي، وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ".
مجموع الفتاوى ٤ / ٣٩٨
انظر
الفصل في الملل والنحل ٤ / ٢١٢، بل ضللت ص ٢٥٢، الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ص ١٢٠.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب