هل تصح إمامة الفاسق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في بنك في إحدى الدول وعادة نصلي العصر والمغرب في جماعة، يطلب مني المصلين (المصلون) بأن أكون الإمام، أنا شخص عادي يا سيدي وأشعر بأنني لا أستحق أن أكون الإمام لوجود من هم أكبر مني ويصلون خلفي، وبالحقيقة فبمجرد تجمعنا للصلاة يستحي كل شخص منا أن يكون الإمام ودائما تنتهي بأن أكون أنا الإمام.
أعلم بأنه خلال ٢٥ سنة اقترفت من الذنوب ما لا حصر له ولكني أؤمن بشيء واحد وهو أن الله يقول إنه من الأفضل أن نصلي في جماعة من أن نصلى فرادى وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أقبل بالإمامة. وأود أن أذكر بأني شخص حليق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه مسألة الصلاة خلف الفاسق، والفاسق: هو من خرج عن طاعة الله بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، أو بالإصرار على صغيرة، وبحسب ما جاء في سؤالك فإنك مرتكب لبعض كبائر الذنوب وهي: العمل في بنك وحلق اللحية، وهما من الكبائر في ميزان الشرع.
أما بالنسبة للعمل في البنك:
عن جَابِر قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ " رواه مسلم (١٥٩٨) .
وعن سمرة بن جندب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا " رواه البخاري (٢٠٨٥) .
وانظر السؤال رقم (٢١١١٣) و (٢١١٦٦) .
وأما بالنسبة لحلق اللحية:
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين، احفوا الشوارب وأوفوا اللحى".
رواه البخاري (٥٨٩٢) ومسلم (٦٠١) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
واللحية هي ما ثبت على الخدين والذقن كما أوضح ذلك صاحب القاموس، فالواجب ترك الشعر النابت على الخدين والذقن وعدم حلقه أو قصه.
أصلح الله حال المسلمين جميعاً.
فتاوى إسلامية (٢/٣٢٥) .
وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى:
وحد اللحية كما ذكره أهل اللغة هي شعر الوجه واللحيين والخدين، بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وفروا اللحى" و "أوفوا اللحى"، وهذا يدل على أنه لا يجوز أحذ شيء منها، لكن المعاصي تتفاوت؛ فالحلق أعظم من أخذ شيء منها لأنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شيء منها.
فتاوى هامة (ص ٣٦) .
وانظر السؤال رقم (٨١٩٦) .
وأما بالنسبة للصلاة خلف من كان مظهراً لفسقه فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تصح الصلاة خلف الفاسق.
وهو مذهب أحمد ومالك في إحدى الروايتين عنهما.
قال الشيخ مصطفى الرحيباني:
(فصل) (ولا تصح إمامة فاسق مطلقا) أي: سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة، ولو كان مستوراً لقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ...
" مطالب أولي النهى " (١ / ٦٥٣) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته.
" مجموع الفتاوى " (٢٣ / ٣٥٨) .
القول الثاني: تصح الصلاة خلف الفاسق، ولو كان ظاهر الفسق، وهذا القول هو الصحيح وهو اختيار الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - والدليل على هذا القول:
أولاً: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " رواه مسلم (٦٧٣) .
ثانياً: خصوص قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور الذين يصلون الصلاة لغير وقتها: " صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة " رواه مسلم (٦٤٨) . وعند البخاري: " يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم " رواه البخاري (٦٩٤) .
ثالثاً: أن الصحابة ومنهم ابن عمر " كانوا يُصلون خلف الحجاج " وابن عمر من أشد الناس تحرياً لاتباع السنة واحتياطاً لها، والحجاج معروف بأنه من أفسق عباد الله.
ويقال أيضاً: كل من صحة صلاته صحة إمامته، ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة، لأنه إذا كان يفعل معصية فمعصيته لنفسه، وهذا دليل نظري. " انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (٤/٣٠٤) .
واعلم بأن الإمامة في الصلاة أجرها عظيم، وشرفها جسيم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأقرأ (أي الأحفظ) للقرآن هو الذي يُقدم في الصلاة (انظر السؤال ١٨٧٥) ، وعليه فإن كان غيرك أقرأ للقرآن منك فإنه يقدم، فإن لم يكن إلا أنت فلا بأس بأن تؤم المصلين حتى لو كنت مذنباً لما تقدم من الأدلة.
وختاماً ننصحك أيها الأخ المسلم بأن تتقي الله، وأن تبتعد عن محاربته بالمعصية، فبادر بالتوبة إلى الله قبل أن ينزل بك الموت فتندم ولا ينفعك الندم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد