للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل انتشر الإسلام بالسيف؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل انتشر الإسلام بالسيف؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

سبق في السؤال رقم (٣٤٨٣٠) أن الجهاد نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع.

ولا شك أن جهاد الطلب كان له أثر كبير في نشر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا.

ولذلك ملئت قلوب أعداء الإسلام رعباً من الجهاد.

جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي، ولهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر بمكة لم يضعف عددياً بل دائما في ازدياد واتساع. ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب، بل إن من أركانه الجهاد اهـ.

وقال روبرت بين: إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة ثانية اهـ.

وقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام بأنه انتشر بالسيف.

وألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة.

وقد وقع المسلمون في الفخ الذي نُصِبَ لهم، فإذا سمعوا من يتهجم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف من المستشرقين، قالوا: أخطأتم واسمعوا الرد عليكم من بني جلدتكم، فهذا توماس يقول كذا وكذا.

وخرج الانهزاميون من المسلمين يدافعون عن الإسلام، وأرادوا تبرئة الإسلام من هذه الفرية على زعمهم، فنفوا أن يكون الإسلام انتشر بالسيف، ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم. وهذا خلاف ما قرره أئمة الهدى علماء المسلمين، فضلا عن مخالفته للقرآن والسنة.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٢٨/٢٦٣) :

"فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص ١٨) :

(وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي، والسيف الناصر، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه. . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ.

وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام:

١- قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج /٤٠. وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /٢٥١.

٢- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال /٦٠.

فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط، فمم يخاف الكفار؟ أمن كلام يقال باللسان فقط؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون. أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار. مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم.

٣- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة.

روى البخاري (٣٠٠٩) ومسلم (٢٤٠٦) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايََ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية. فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.

فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح.

وروى مسلم (٣٢٦١) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَمْثُلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. . . الحديث.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون، فإن أبوا فما لهم إلا السيف (فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ) .

٤- وقال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (٤٨٦٩) . صحيح الجامع (٢٨٣١) .

وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام، هذا لا يعيب الإسلام، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق، ولانغمس في الشهوات، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق، وإلى ما فيه نفعهم، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره، وحمله على ما فيه نفعه.

وروى البخاري (٤٥٥٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد؟ ‍!

وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم، فعلى الانهزاميين (أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام. نعم، إنه دين السلم والسلام، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله. إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر. فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد. . .) فقه الدعوة لسيد قطب (٢١٧-٢٢٢) . بتصرف يسير.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٢/١٤) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ.

تنبيه:

يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه، كلا، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/٢٥٦.

ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه، ولكن بشروط نعقدها معه، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة".

فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام، وكذلك النصراني وغيرهم من أهل سائر الأديان.

وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم. وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم.

قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان:

" الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي، فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين.

إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى.

(العالم) ، العدد ٢٩٠، السبت ٢ سبتمبر ١٩٨٩م.

وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي) :

"قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى.

وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) :

"كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى.

وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان:

"إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى.

وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع.

ولعلنا نبين ذلك في أجوبة أخرى إن شاء الله.

ونسأل الله تعالى أن يعز دينه، ويعلي كلمته.

انظر: "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل، "الإسلام خواطر وسوانح".

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>