للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يمكن العودة للدنيا لعمل الصالحات؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أختي تموت ولا أظن أنها تعيش للشهر القادم والله أعلم، فعلت في حياتها الكثير من الأشياء التي ندمت على فعلها وتابت منها، ودائماً تتمنى أن يعود بها الزمن لتصحح ما فعلت، تريد أن تعرف شيئاً قبل أن تموت:

بما أن الله يعطي الذين يرحمهم ويدخلهم الجنة ما أرادوا ويحقق لهم ما يطلبون فهل سيحقق لهم طلبهم إن طلبوا أن يعودوا للماضي ويصححوا أخطاءهم وزلاتهم التي فعلوها ولو في الجنة؟

الله يقول بأنه أعد للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهل يعطي الله أهل الجنة أي شيء يخطر ببالهم ولم يستطيعوا الحصول عليه في الدنيا وبالتحديد ما تطلبه أختي؟

أرجو الإسراع في الإجابة لأنني لا أظنها تعيش أكثر من عدة أسابيع. والله أعلم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اعلم رحمك الله تعالى أن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه وتعالى، فقد قال سبحانه: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد /٣٨. وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان /٣.

ولا يمكن للإنسان أن يعلم متى سيموت، فما هي إلا ظنون قد تصدق، وقد تكذب.

ولا يعني المرض –مثلاً- أن هذا الشخص سيموت قريباً، كما لا يعني الشباب والقوة أن هذا الشخص سيعيش طويلاً.

فكم من شخص مريض توقع الناس له الوفاة قريبا فعاش حيناً من الدهر. وكم من شخص صحيح أتاه الموت فجأة.

وقد صدق الشاعر إذ يقول:

تَزَوَّدْ من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جَنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ

فكم من فَتًى أمسى وأصبح ضاحكا ... وقد نُسِجَْت أكفانُه وهو لا يدرِي

وكم من صغارٍ يُرْتَجَى طولُ عمرهم ... وقد أُدخلت أجسامُهم ظلمةَ القبرِ

وكم من عروسٍ زينوها لزوجها ... وقد قُبضت أرواحُهم ليلةَ القدرِ

وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ... وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ

والمطلوب من المؤمن هو الاستعداد للموت في كل وقت بالتوبة إلى الله وعمل الصالحات، وقد روى ابن ماجه (٤٢٥٩) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ (أي: أعقل) قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ) وقال العراقي: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

والحمد لله الذي وفق أختك للتوبة والندم على ما فات.

ونزف لها البشرى بأنها إن صدقت في توبتها فإن الله تعالى سيتوب عليها، وسيبدل سيئاتها حسنات. قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان /٧٠.

انظر السؤال رقم (١٤٢٨٩) .

ثانيا:

إذا دخل المؤمن الجنة أعطاه الله تعالى كل ما يتمناه، بل فوق ما يتمناه. قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/٧١.

وروى البخاري (٨٠٦) عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما في حديث طويل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر عن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة أن الله تعالى يقول له:

تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.

لكن إذا تمنى المؤمن أن يعود إلى الدنيا فإنه لا يجاب إلى ذلك، لأن الله تعالى قد قضى أنه لا يعود أحد إلى الدنيا.

قال الله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الأنبياء /٩٥.

أي يمتنع على أهل القرى الذين أهلكهم الله أن يعودوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه.

انظر تفسير السعدي (٨٦٨) .

وروى البخاري (٢٨١٧) ومسلم (١٨٧٧) عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال: قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ) .

غير أنه لا يجاب إلى ذلك.

روى الترمذي (٣٠١٠) وابن ماجه (١٩٠) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لأَبِيكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.

نسأل الله تعالى أن يمن على أختك والمسلمين جميعا بالتوبة النصوح.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>