للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قول الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) إنما هو مثل وليس بحديث

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي صحة الحديث أو القول الذي يتواتر على ألسنة الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) ؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مثل مشهور تتناقله ألسنة الناس، يقصدون منه بيان عظيم قدرة الله تعالى، وأن الله تعالى قد يُري للناس كمال قدرته في مخلوق ضعيف من مخلوقاته، فيجعل هذا المخلوق آية واضحة وعلامة ظاهرة على كمال قدرة الله تعالى.

وليس المقصود أن نفس قدرة الله تعالى تكون في هذا المخلوق، فإن هذا لا يمكن، أن يتصف مخلوق بصفات الله تعالى.

ومن أمثلة ذلك: المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن الذباب، ليبين سبحانه عجز الآلهة المزعومة، وفقرها أن تنصر نفسها من انتقاص الذباب منها، وهو خلق حقير صغير بالنسبة لمخلوقات الله، ولكن عظيم قدرة الله تبدو في كل شيء.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الحج/٧٣.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) أي: لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) أي: أنصتوا وتفهموا، (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.

وأخرج صاحبا الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة)

ثم قال تعالى أيضا: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئًا من الذي عليها من الطيب، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك.

هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال: (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)

قال ابن عباس: الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. واختاره ابن جرير، وهو ظاهر السياق. وقال السدي وغيره: الطالب: العابد، والمطلوب: الصنم " انتهى.

"تفسير القرآن العظيم" (٥/٤٥٣-٤٥٤) .

وقد أظهر الله بعض آياته العظيمة على يد أضعف خلقه، وذلك حين أهلك أبرهة الحبشي لما أراد هدم الكعبة بجيشه الجرار، ولكن الله سبحانه وتعالى أهلك هذا الجيش بواسطة الطير الأبابيل، تحمل في أرجلها حجارة من سجيل، فكانت آية عظيمة إلى يوم القيامة.

وقد قال قتادة في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ) محمد/٤، قال: "إي والله بجنوده الكثيرة، كلُّ خَلْقِه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا" انتهى.

"جامع البيان" (٢٢/١٥٨) .

ومنه ما يذكره المفسرون في سبب هلاك نمرود الذي ألقى إبراهيم عليه السلام في النار، فقد ذكروا أن الله تعالى أهلكه وجنده بالبعوض.

وقد عقد الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "العظمة" (٤/١٥٠٩) بابا قال فيه: "ذكر نمرود، وعظم سلطانه، وعتوه، وتمرده، وتسليط الله تعالى أضعف خلقه عليه، احتقارا له، وتهاونا بشأنه" انتهى.

وما الأمراض الخطيرة التي يبتلي الله بها العباد إلا مثالا ظاهرا على قهر الإنسان بخلق ضعيف صغير من خلق الله، وهي الجراثيم، فيقف الإنسان عاجزاً عن مدافعتها أو مقاومتها!!

وفي جميع ذلك عظة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>