للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم قول: بلى عند قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين)

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم قول" بلي" عند قول الإمام "أليس الله بأحكم الحاكمين" هل هي بدعة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

لا بأس أن يقول المأموم ذلك، أو يقول: سبحانك فبلى، ونحوا من ذلك، عند قراءة الإمام: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:٤٠) ، أو قراءة: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:٨) ، ونحوهما.

وهذا هو مذهب المالكية. قال في مواهب الجليل (٢/٢٥٣) : " إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ " انتهى.

وهو أيضا مذهب الحنابلة، قال في شرح المنتهى (١/٢٠٦) : "وَلِمُصَلٍّ قَوْلُ: سُبْحَانَكَ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِلْخَبَرِ.

وَأَمَّا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟} فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى.

وانظر: الفروع (١/٤٨١) ، والإنصاف (٢/١٠٧) .

والخبر المشار إليه رواه أبو داود (٨٨٤) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

وإسناده ضعيف؛ فيه انقطاع بين موسى والصحابي، سقط منه رجل آخر على الأقل، كما بينه الحافظ في النكت الظراف (١١/٢١٠) ونتائج الأفكار (٢/٤٨) .

على أن الخبر لو صح، فليس فيه أن ذلك كان في صلاة الفريضة، بل ظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يفعل ذلك في الفريضة، ولو فعله لنقل، كما نقل عنه في صلاته بالليل؛ في حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ... ) رواه مسلم (٧٧٢) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" أما في النفل، ولا سيما في صلاة الليل، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أحضر للقلب، وأبلغ في التدبر، وصلاة الليل يسن فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسجود، وما أشبه ذلك.

وأما في صلاة الفرض، فليس بسنة، وإن كان جائزا.

فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض..؟

فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد، وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله، ولو فعله لنقل؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم، وسكناته، حتى إنهم يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول، ولو سكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك.

فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض، كما منعه بعض أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [البخاري (٦٠٢) ]

فالجواب: على هذا أن نقول: ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه، لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة: (إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..) [مسلم (٥٣٧) ] ، والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة، لما تقدم تقريره.

ولو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:٤٠) ، لأنه ورد فيه حديث، ونص الإمام أحمد عليه، قال: إذا قرأ القارئ.. في الصلاة وغير الصلاة، قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل.

وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:٨) ، فيقول: سبحانك فبلى ... "

انتهى من الشرح الممتع (١/٦٠٤-٦٠٥) بتصرف يسير.

وقد سئل الشيخ رحمه الله: " سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟

فأجاب: هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب، يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر/٣٦ تقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) الزمر/٣٧ تقول: بلى. (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول: بلى. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (١١/٨١) .

تنبيه: الحديث المشار إليه في قول ابن مفلح: " فيه نظر "، رواه أبو داود (٨٨٧) والترمذي (عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) والحديث في إسناده راو مجهول، كما ذكر الترمذي عقبه، وقد ضعفه جمع من الأئمة، كالنووي في المجموع (٣/٥٦٣) ، وغيره، وذكره الألباني في ضعيف أبي داود.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>