للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خدعه وأخذ المال ليستثمره ولم يفعل

[السُّؤَالُ]

ـ[لي صديق وكيل مكتب لجامعة أهلية طلب مني مبلغ ١٠٠٠٠ عشرة آلاف دولار ليستثمرها بالجامعة على شكل نظام تسجيل الطلاب وسيكون لي بعد ٦ أشهر أرباح.. وقال لي إن الربح مضمون لأن الموضوع ليس شراء وبيعاً.. بل تسجيل طلاب، كونه مندوب الجامعة وله نسبة من الربح.. فقرر أن يمنحني أرباحاً رمزية كل شهر حتى يأتي الموعد كما ذكرت بعد (٦) أشهر وسيقوم بخصم المبلغ الذي أعطاه كل شهر كأرباح من أصل الربح الكامل ... وقد قام بتسديد قسط كبير من الفلوس إلى الجامعة كمستحقات عليه لرئاسة الجامعة وصلنا نهاية الشهر السابع.. أخبرته أن الموعد انتهى أخبرني بأنه لم يكتمل الموضوع.. اصبر، أصبحنا الشهر التاسع ومجموع ما أخذته حوالي أقل من ٩٠٠ دولار.. كأرباح شهرية كل شهر أقل أو أكثر من مائة دولار..وبقى أصل المبلغ الذي هو عشرة آلاف دولار لديه.. في شهر آب جاء أخوه من الخارج وقال لي إن شقيقه شخص كذاب وكل سنة عندما يأتي للإجازة يسدد عنه ديونه المتراكمة.. تعهد أخاه بتسديد المبلغ وقال اتركه.. وأنا سوف أسدد نيابة عنه وأعطاني جزء ٢٠٠٠ دولار كدفعة أولى لحين تسديد الباقي.. ولم نستلم المبلغ الكامل إلى الآن. ادعى الأول الذي أخذ الفلوس.. أنه أنا وهو آثمين لأننا تعاطينا بالربا.. فأجبته: إن لم تكن لديك القابلية على استثمار الفلوس لماذا أخذتها وأنت تعرف أنه لا وجود للأرباح ولا تستطيع السداد سؤالي: ١- هل صحيح أنني آثم؟ ٢- الأرباح (٩٠٠) دولار التي استلمتها دفعات شهرية كأرباح تعتبر ربا حسب ادعائه؟ ٣- المبلغ الذي عنده قد حال عليه الحول هل عليه زكاة؟ وكم؟ علما بأني لم أستلمه إلى الآن. ٤- ما هو الإثم الذي ارتكبه هو ويعلم مسبقا بأنه لن يستطيع السداد؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الواجب على المسلم أن يتحرى جيدا في الجهات التي يستثمر فيها أمواله، وألا يبذل أمواله إلا بعد الاستيثاق والتأكد من تلك الجهات، وأنها جهات موثوقة، فإن لم يتبين له الأمر فبقاء أمواله في حوزته خير من تعريضها للضياع. وراجع جواب السؤال رقم (٣٤٨٠٨) .

حيث كثر في الآونة الأخيرة أناس يجيدون التحيل على الناس بأخذ أموالهم بدعوى استثمارها، إلا أن الواقع والنهاية تكون مؤلمة، فكم من بيوت هدمت بسبب ضياع هذه الأموال ودفعها لمن لا أمانة لهم ولا دين، ولا هَمَّ لهم إلا جمع المال ولو بالحرام وأكله بالباطل.

أما السؤال عن الصورة المذكورة فإن الأصل مشروعية المضاربة الجارية على قواعد الشرع، البعيدة عن التعامل في المحرمات، والتي تقوم على الشركة بين من يمول بالمال ومن يقوم بعمل معين، ويكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه، وفي حال الخسارة تكون الخسارة على صاحب المال ما لم يتعد العامل أو يفرط، كما يخسر العامل عمله ولا يضمن شيئا من رأس المال إلا بالتعدي أو التفريط.

فلِلشركة في الإسلام صور كثيرة، وما ذكرته أخي السائل يعتبر من صور الشركة الجائزة في الإسلام، بشرط كون العمل المُضارَب عليه مباحا (العمل المذكور في السؤال غير واضح) .

فالمضاربة جائزة بإجماع المسلمين وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وغير واحدٍ من أهل العلم.

قال ابن رشد رحمه الله: "ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض [المضاربة] ، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام" انتهى. "بداية المجتهد" (١ / ١٠٠٣) .

وقال ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة". "المغني" (٥/٣) .

كما أن الواجب في المضاربة أن يتم تحديد الربح بالنسبة، كالنصف أو الثلث أو الربع....

ولا يمكننا الحكم على عملك هل هو محرم أم لا؟ أو هو ربا أم لا؟ ونحن لا نعلم حقيقة العمل الذي اتفقتما عليه، وهل كنت تعلم هذا العمل أم أن صاحبك خدعك.

وعلى كل حال، فإن كان صاحبك أخذ المال للمضاربة فعلاً، فإنك تحسب نصيبك من الأرباح، ثم تخصم منه ما أخذته (٩٠٠) دولار، ثم تطالب بباقي حقك في رأس المال والأرباح.

أما إن كان صاحبك لم يضارب وإنما خدعك بهذا الكلام فإنك تحسب ما أخذته كل شهر (٩٠٠دولار) وتضيف إليها ما أخذته من أخيه (٢٠٠٠) دولار ثم تطالب بالباقي (٧١٠٠ دولار) .

أما زكاة المبلغ المتبقي عنده، فهو في حكم الدين عند المعسر أو المال المفقود ولا تجب فيه الزكاة عن المدة التي كان فيها عند المدين، ثم إذا استلمته حسبت له حولاً من يوم استلامه، والأحوط أن تزكيه يوم قبضه عن سنة واحدة، ولو مضى عليه عند المدين عدة سنوات.

وانظر جواب السؤال رقم (١١١٧) و (١٣٤٦) .

وأما الإثم الذي تعرض له صاحبك، فلا شك في تحريم الخداع والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (٢٩٤) .

وإذا أخذ الإنسان المال من الناس وهو عازم على عدم رده، فهو متوعد بوعيد شديد، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (٢٣٨٧) .

قال الحافظ ابن حجر حمه الله تعالى:

" (أَتْلَفَهُ اللَّه) ظَاهِره أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِمَا نَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ.

وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْإِتْلَافِ عَذَاب الْآخِرَة " انتهى.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>