من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الضيف الذي يجب إكرامه؟ هل إذا زارني أحد أصحابي أو جيراني يكون ضيفا؟ ويكون له حق الضيف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المضيف أن يكرم ضيفه، ويقوم بحقه، ويدل على ذلك:
ما جاء في الحديث عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزاعِي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ) قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) رواه البخاري (٥٦٧٣) ومسلم (٤٨) .
وفي لفظ لمسلم (٤٨) : (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) .
قال الخطابي رحمه الله:
قوله: (جائزته يوم وليلة) سئل مالك بن أنس عنه فقال: يُكرمه، ويتحفه، ويخصه، ويحفظه، يوماً وليلة، وثلاثة أيام ضيافة.
قلت: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بِر، وألطاف، ويقدِّم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته، ولا يزيد على عادته، وما كان بعد الثلاث: فهو صدقة، ومعروف، إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
"معالم السنن" (٤/٢٣٨) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
إن للضيف حقّاً على مَن نزل به، وهو ثلاث مراتب: حق واجب، وتمام مستحب، وصدقة من الصدقات، فالحق الواجب: يوم وليلة , وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي شريح الخزاعي – وساق الحديث السابق -.
"زاد المعاد" (٣/٦٥٨) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"والواجب يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام؛ لما روى أبو شريح الخزاعي - وساق الحديث -" انتهى.
"المغني" (١١/٩١) .
والضيف الذي يجب إكرامه، وله حق على المضيف، هو الضيف المسافر، وهو القادم من بلد آخر.
فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه، فإن لم يفعل فلهه حق في ماله، وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه، وليس قادماً من السفر، فهذا يمكن أن تقول له: "ارجع"، كما قال تعالى: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور/٢٨.
ومما يدل على ما قلناه: ما يوجد في بعض الأحاديث من التصريح بذلك، وأن الحق للضيف إنما هو للمسافر، وليس للمقيم، ومنه:
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا [أي لا يقدموا لنا حق الضيف] ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رواه البخاري (٢٣٢٩) ومسلم (١٧٢٧) .
وقد اختلف العلماء في حكم الضيافة، وعلى من تجب، ففي "الموسوعة الفقهية" (٢٨/٣١٦، ٣١٧) :
"وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الضيافة سنَّة، ومدتها ثلاثة أيام، وهو رواية عن أحمد.
والرواية الأخرى عن أحمد - وهي المذهب - أنها واجبة، ومدتها يوم ليلة، والكمال ثلاثة أيام. وبهذا يقول الليث بن سعد.
ويرى المالكية وجوب الضيافة في حالة المجتاز الذي ليس عنده ما يبلغه ويخاف الهلاك.
والضيافة على أهل القرى والحضر، إلا ما جاء عن الإمام مالك، والمام أحمد - في رواية - أنه ليس على أهل الحضر ضيافة، وقال سحنون: الضيافة على أهل القرى، وأما أهل الحضر فإن المسافر إذا قدم الحضر وجد نزلاً - وهو الفندق - فيتأكد الندب إليها ولا يتعين على أهل الحضر تعينها. انتهى
والراجح – والله أعلم – أن ضيافة المسافر المجتاز – لا المقيم - واجبة، وأن وجوبها على أهل القرى، والأمصار، دون تفريق.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح قول الحجاوي رحمه الله: "وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً".
قال: قوله: " وتجب ضيافة المسلم ": " تجب " هذا بيان حكم الضيافة، والضيافة أن يَتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه، وينزله بيته، ويقدم له الأكل، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سبقنا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) الذاريات/ ٢٤، أي: الذين أكرمهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال: والذين أكرمهم الله عزّ وجل بكونهم ملائكة.
فحكم الضيافة واجب، وإكرام الضيف - أيضاً – واجب، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، أي: من كان يؤمن إيماناً كاملاً: فليكرم ضيفه.
... .
قوله: " المجتاز به " يعني: الذي مرَّ بك وهو مسافر، وأما المقيم: فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة: لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازاً، أي: مسافراً ومارّاً، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين، أو ثلاثة، أو أكثر: فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازاً.
قوله: " في القرى " دون الأمصار، والقرى: البلاد الصغيرة، والأمصار: البلاد الكبيرة، قالوا: لأن القرى هي مظنة الحاجة، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم، وفنادق، وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة، وهذا - أيضاً - خلاف القول الصحيح؛ لأن الحديث عامّ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار وفيها الفنادق، وفيها المطاعم، وفيها كل شيء، لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها، فينزل ضيفاً على صديق، أو على إنسان معروف، فلو نزل بك ضيف - ولو في الأمصار -: فالصحيح: الوجوب.
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (١٥/٤٨ – ٥١) باختصار.
وأما الزائر من البلد نفسه فلا شك أن إطعامه وإكرامه يدخل في عموم الأمر بإطعام الطعام والإحسان إلى الناس، ولكنه ليس هو الضيف الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم إكرامه، وجعل له حقاً في مال المضيف.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب