تحصين المجتمعات من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم إحضار أربعة شهود على الزاني والزانية، في الوقت الحاضر؟ وكيف تتم نصيحة شبابنا المسلم من هذا العمل القبيح؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعد العلماء في طرق ثبوت الزنا أربعة طرق:
١- الشهادة. ٢- والإقرار. ٣- وحمل من لا زوج لها ولا سيد. ٤- وإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه الزوجة.
ويشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربعة ممن تجوز شهادتهم، يصفون الزنا بصريح لفظه – وهو أنهم رأوا ذكر الرجل في فرج المرأة -، فإن اكتفى بعضهم بالشهادة برؤيتهما متجردين من اللباس، أو وصفوا هيئة وحركة معينة، فلا يكفي ذلك لثبوت الزنا.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٦/١٥٧) :
" يصفون الزنا بلفظ صريح بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها. لا بد من هذا، فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل، حتى لو قالوا نشهد بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، لا بد أن يقولوا نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شهد عليه في عهد عمر، لو كنت بين الأفخاذ لن تشهد هذه الشهادة. ولهذا ذكر شيخ الإسلام في عهده أنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذلك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا " انتهى.
وليس هذا التشديد في أمر الشهادة على الزنا إلا لتحقيق مقصد أراده الشارع، وهو الستر على العباد، وعدم إشاعة الفاحشة، وتجنيب المجتمعات الاتهام في الأعراض والطعن في الأنساب.
يقول القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (٥/٨٣) :
" جعل الله الشهادة على الزنا خاصةً أربعةً: تغليظاً على المدَّعِي، وسترا على العباد " انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (١/٥٦٣) :
" (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، (بأربعة شهداء) أي: عدول مرضيين. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون أربعة شهود، ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ولم يقل (فأولئك هم الكاذبون) وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (٨٣٩) ، (٦٩٢٦)
ثانيا:
أما تحصين شبابنا ومجتمعاتنا من هذه الفاحشة المهلكة، فلا بد له من عمل عام تقوم عليه الدول والمجتمعات، وتتضافر له جهود الجهات المختلفة، فهي مسؤولية جماعية وليست فردية، ولا يمكن تحقيق سلامة المجتمعات إلا بتكامل الأخذ بالأسباب التي تحفظ من الزنا والولوغ فيه، ومن تلك الأسباب:
١- نشر التوعية العامة بعظم إثم الزنا، وأنه من الكبائر التي اتفق العقل والشرع على قبحه وشناعته وتحريمه، وبيان أنه سبب لهلاك الأمم وحلول المصائب والكوارث في الدنيا، وأن جزاءه النار يوم القيامة.
قال الإمام أحمد: ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا. "غذاء الألباب" (٢/٤٣٥)
يقول الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) الإسراء/٣٢
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (١/٤٥٧) :
" ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى.
٢- توعية الشباب بالآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الفاحشة، والتي يتهدد استقرار الأسر والمجتمعات، كانتشار الأمراض القاتلة، وظهور أولاد الحرام، وانهيار التكوين الأسري، وتشرد الأبناء، وتلقيهم السلوكات السيئة، وارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار الجريمة، وغير ذلك، وهي آثار تعيشها المجتمعات التي تنتشر فيها الإباحية في أسوأ صورها، مما ينذر بانحلال مجتمعاتهم، وسقوط حضارتهم.
٣- العمل على تيسير الطريق الشرعي للعلاقات الجنسية، بالزواج الحلال الطيب، وذلك بالترغيب فيه وبيان ندب الشريعة إليه، وأنه من سنن المرسلين، وأن من تزوج فقد استكمل نصف الدين، وأن له أجرا في إعفافه نفسه وزوجه.
٤- ومن مسؤولية المجتمع في هذا السبيل إزالة العوائق التي تؤخر الزواج، فتعالج الفقر الذي قد يكون مانعا من الزواج، وتوفر الدعم المادي للشباب الذي لا يملك ما يعف به نفسه، حتى قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/٣٢
" زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف " انتهى. (١٢/٢٣٩) .
وفي كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (٢٥١) أن عمربن عبد العزيز كتب إلى واليه بالعراق: أن انظر كل بكر وليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه.
ويقول ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (٧/٥٨٧) :
" يلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي " انتهى.
٥- وأدنى ما يمكن أن يتحمله المجتمع والآباء تجاه هذه المسألة المهمة ترك المغالاة في المهور، أو التفاخر والمباهاة بتكاليف الزواج، أو السعي إلى التكسب منها.
خطب عمر بن الخطاب على المنبر فقال:
(أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ – أي مهورهن - فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) رواه أبو داود (٢١٠٦) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يختلف المصلحون في أن استغلال الآباء مهور البنات كان واحدا من أسباب انتشار الفساد والرذيلة في المجتمعات.
يقول وول ديورانت وهو يحكي أسباب انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات الغربية في فترة من التاريخ في كتاب "مباهج الفلسفة" (١٢٧-١٢٨) :
" ولا نزاع في أن ذلك يرجع إلى حد ما إلى ما كان يقتضيه الآباء المغرمون ببناتهم من مهر غال ثمنا لعفتهن، وقت أن كان الزواج يشترى صراحة " انتهى.
٦- ومن أهم ما يقي المجتمعات رذيلة الزنا إشاعة جو المحبة والمودة بين الأزواج، والحرص على سعادة الأسرة بالحب والاحترام والصدق والوفاء وأداء الحقوق والواجبات، فإن الأسرة السعيدة والزوجين المتفاهمين المتآلفين وقاءٌ للمجتمع من الانحراف والسقوط في الفواحش بحثا عن سعادة موهومة.
٧- وأخيرا لا بد من العمل على تهيئة المناخ المحافظ الملتزم المتعلق بالله سبحانه وتعالى، والذي تختفي فيه مظاهر التبرج والسفور، وتستر فيه العورات، وتمنع فيه الخمور والمعازف التي هي رقية الزنا، فإن هذه الأمور هي الوقود التي تشعل نار الفاحشة، فإذا تخلص المجتمع منها فقد أمِن من النار.
ويمكن الاستفادة بأجوبة الأسئلة الآتية المنشورة في موقعنا (٢٠١٦١) ، (٣٢٣٤) .
ومن الكتب المفيدة في هذا الموضوع كتاب " التدابير الواقية من الزن ا" تأليف د فضل إلهي فيمكن الاستفادة منه والرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب