هل يصح إلقاء السلام بلفظ سلام عليكم
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من المسلمين يلقي السلام على إخوانه بلفظ " سلام عليكم " فهل يجوز أن نقول ذلك؟
وإذا كان غير صحيح فهل يثاب فاعله ويأخذ ثواب إلقاء السلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في قول المبتدئ بالسلام: سلام عليكم، أو سلام عليك، وقد بين الله تعالى أن تحية الملائكة لأهل الجنة: سلام عليكم، فقال: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/٢٣، ٢٤.
وقال: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الزمر/٧٣.
وجاء السلام بهذه الصيغة، في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/٣٢.
وقوله: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/٥٥.
وقوله: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/٥٤.
وروى ابن حبان في صحيحه (٤٩٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا مَرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: سلامٌ عليكم. فقال: (عشر حسنات) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله. فقال: (عشرون حسنة) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال (ثلاثون حسنة) فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) صححه الألباني في صحيح الترغيب والرهيب (٢٧١٢) .
فهذه الأدلة وغيرها تبين أنه لا حرج في أن يسلم الإنسان بلفظ: (سلام عليكم) وأنه يثاب على ذلك، ويستحق الجواب.
وقد اختلف العلماء أيهما أفضل: (السلام عليكم) أو (سلامٌ عليكم) ؟ أو هما سواء؟
قال المرداوي في "الإنصاف" (٢/٥٦٣) : " إذا سلم على الحيّ , فالصحيح من المذهب: أنه يخيّر بين التعريف والتنكير. قدّمه في الفروع. وقال: ذكره غير واحد ".
ثم ذكر رواية عن الإمام أحمد أن التعريف أفضل من التنكير، وذكر عن ابن عقيل تفضيل التنكير على التعريف.
وقال النووي في "الأذكار" (ص ٣٥٦-٣٥٨) :
" اعلم أن الأفضل أن يقول المُسَلِّم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحداً، ويقولُ المجيب: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُه. . .
قال أصحابنا: فإن قال المبتدىء: السلام عليكم، حصل السَّلامُ، وإن قال: السلام عليكَ، أو سلام عليكَ، حصل أيضاً.
وأما الجواب فأقلّه: وعليكَ السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم السَّلام أجزأه ذلك وكان جواباً. . .
ولو قال المبتدىء: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمُجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى: (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) .
قال الإِمام أبو الحسن الواحديّ من أصحابنا: أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار.
قلت (النووي) : ولكن الألف واللام أولى " انتهى باختصار.
ثانيا:
المكروه هو أن يقول المبتدئ: عليك السلام أو عليكم السلام، لأنها تحية الموتى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى أبو داود (٥٢٠٩) والترمذي (٢٧٢٢) عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والمقصود من قوله صلى الله عليه وسلم (فإن عليك السلام تحية الموتى) : الإشارة إلى ما كان عليه كثير من الشعراء وغيرهم من السلام بهذه الصيغة على الأموات، وإلا فسنته صلى الله عليه وسلم في السلام على الموتى كسنته في السلام على الأحياء يقول: السلام عليكم.
قال ابن القيم رحمه الله موضحا ذلك: " وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكره أن يقول المبتدىء: عليك السلام. قال أبو جريّ الهُجيميُّ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: (لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى) حديث صحيح.
وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضا لم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ (السلام عليكم) بتقديم السلام، فظنوا أن قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطا أوجب لهم ظن التعارض، وإنما معنى قوله: (فإن عليك السلام تحية الموتى) إخبار عن الواقع، لا المشروع، أي: إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم:
عليكَ سلامُ الله قيسَ بن عاصمٍ ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلكَ واحدٍ ولكنّه بنيان قومٍ تهدّما
فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيى بتحية الأموات " انتهى من "زاد المعاد" (٢/٣٨٣) .
ثالثا:
وأكمل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لما سبق من حديث ابن حبان؛ ولما روى أبو داود (٥١٩٥) والترمذي (٢٦٨٩)
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَشْرٌ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: (عِشْرُونَ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ فَقَالَ: (ثَلاثُونَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما زيادة (ومغفرته) أو (ورضوانه) فلا تصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، كما بين ابن القيم في "زاد المعاد" (٢/٣٨١) والألباني في ضعيف أبي داود (٥١٩٦) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب