حكم الدفاع عن أعراض الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدفاع عن أعراض الكفار؟ فأنا شتمت يوماً عرض كافر فرد عليّ أحد المسلمين وقام يدافع عن عرض هذا الكافر. فما حكم الدفاع عن أعراضهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس من خلق المسلم السب ولا الشتم ولا قذف الأعراض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلا الطَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه أحمد (٣٩٤٨) والترمذي (١٩٧٧) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك سب اليهودي المستحق للسب، وعلل ذلك بأن الله لا يحب الفحش.
روى البخاري (٦٤٠١) عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَعَلَيْكُمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوْ الْفُحْشَ. قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.
وفي رواية لمسلم (٢١٦٥) : (فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها الإفراط في السب " انتهى من فتح الباري (١١/٤٣) .
ثانياً:
الكافر لا يخلو من حالين:
إما أن يكون محارباً للمسلمين، فهذا لا حرمة له.
وإما أن يكون معاهداً أو ذمياً، فهو معصوم النفس والعرض والمال، فلا يجوز الاعتداء عليه. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتداء على الكافر المعصوم وظلمه بقوله: (أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه أبو داود (٣٠٥٢) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(مُعَاهدًا) : أَيْ: ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا.
(أَوْ اِنْتَقَصَهُ) : أَيْ نَقَصَ حَقّه. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: عَابَهُ.
(فَأَنَا حَجِيجه) أَيْ خَصْمه وَمُحَاجّه وَمُغَالِبه بِإِظْهَارِ الْحِجَج عَلَيْهِ.
انتهى من "عون المعبود".
وقال الصنعاني: في سبل السلام (٢/٦٦٣) عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ) قال:
" مَفْهُومِ قَوْلِهِ: (الْمُسْلِمِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْكَافِرِ , فَإِنْ كَانَ مُعَاهَدًا فَهُوَ أَذِيَّةٌ لَهُ , وَقَدْ نَهَى عَنْ أَذِيَّتِهِ فَلا يُعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا جَازَ سَبُّهُ إذْ لا حُرْمَةَ لَهُ " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٤/١٤٢) :
" سَبُّ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ , وَيُعَزَّرُ الْمُسْلِمُ إنْ سَبَّ الْكَافِرَ. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا , أَوْ مَيِّتًا , يَعْلَمُ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ. وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى.
وفيها أيضاً: (٣٠/١٣٩) :
" فَلأَهْلِ الْعَهْدِ أَنْ يُؤَمَّنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ , وَعَلَى الإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَغَيْرِهِمْ , فَلا يُظْلَمُونَ فِي عَهْدِهِمْ وَلا يُؤْذَوْنَ " انتهى.
وإذا كان السب بالقذف بالزنى فإن قبحه أشد، وقد نص العلماء رحمهم الله على تعزير من فعل ذلك.
انظر: "المغني" (٩/٤٨) ، "الفروع" (٦/١٠٨) ، "الإنصاف" (١٠/٢٠٣) ، "نصب الراية" (٤/١٧٣) .
والحاصل أن من دافع عن عرض الكافر، بمعنى أنه أنكر على من سبه بغير حق، فلا شئ عليه، بل هو مصيب؛ فليس من شأن المسلم الطعن في الأعراض. وكذلك لو أرشده إلى ترك السب والبذاء، فهو محسن مأجور إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب