سبب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب بعض العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أسباب وجود أحاديث ضعيفة في كتب المتقدمين كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله؟ وكيف نتعامل معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تنقسم الأحاديث الضعيفة – من حيث جزمنا بردها وضعفها - إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
أحاديث يجزم بردها وكذب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهي نوعان:
١- أحاديث جاءت من طريق الرواة الكذابين والمتهمين، أو شديدي الضعيف سيِّئِي الحفظ، ويظهر في متنها نكارة لا يصدر مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
٢- أو التي يُجزَم بخطئ راويها حين يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددا، فيرفع الموقوف، أو يسند المرسل، أو يزيد وينقص في المتن أو الإسناد.
فهذه الأحاديث لا تكاد تجد منها شيئا في كتب أهل العلم المحققين إلا ما يذكرونه للتنبيه على وهنه ونكارته، أما أن يكون في معرض الاستدلال والاستشهاد: فهذا لا يقع إلا نادرا على سبيل الوهم والخطأ.
القسم الثاني:
أحاديث ضعيفة بسبب وجود راو ضعيف أو مجهول محتمل الضعف، أو بسبب انقطاع يسير، مع عدم وجود نكارة في المتن مناقضة للثابت من الشريعة.
وهذا القسم لا يجزم العلماء برده وتكذيب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يعتبرون احتمال صدوره عنه صلى الله عليه وسلم قائما، إذ قد يحفظ الراوي الضعيف ويصيب، كما قد يكون الراوي الساقط من الإسناد أو الراوي المجهول ثقة، فتجدهم يحكمون بقبول الحديث إذا اجتمعت بعض القرائن التي تقوي هذين الاحتمالين كتعدد الطرق ومجيئه من غير وجه.
يقول ابن الصلاح في "المقدمة" (ص/٩) :
" إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر، وإنما المراد به: أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور " انتهى.
ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (١/٧٥-٧٦) :
" (وإذا قيل) هذا حديث (غير صحيح) : فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب، وإصابة مَن هو كثير الخطأ " انتهى.
فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة، لم يتورعوا – في الغالب – عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا، فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها.
فيمكن تلخيص أسباب ذكر العلماء هذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم بما يلي:
١- اعتبار احتمال ظهور صدقها وصحتها ببعض الشواهد والطرق والمتابعات، فيستأنسون بمعانيها في تلك الأبواب إذا كانت مقبولة في الجملة.
٢- تقليد من سبقهم من أهل العلم، ممن أخرج الحديث وبوب عليه في مصنفات السنة ولم يحكم برده وتكذيبه، فيوكلون العهدة عليه.
٣- وفي كثير من الأحيان يصحبون ذكر هذه الأحاديث ببعض ما يدل على ضعفها، كالتصريح بالضعف، أو ذكرها بصيغة التمريض: رُوي، حُكي، وجاء في الحديث ... ونحوها.
القسم الثالث:
أحاديث مختلف فيها، مترددة بين القسمين السابقين، وبين قسم الحديث الحسن والمقبول، فيكون ذكر أهل العلم لها في كتبهم من باب اعتبار هذا الخلاف، أو ترجيح قبول الحديث أو على الأقل عدم الجزم برده.
هذا واحتمال الخطأ وارد في كل ذلك، فالعلماء وإن اتسعت معارفهم فذلك لا يثبت العصمة لهم، فقد يذكر الحديث الضعيف ظنا منه أنه صحيح، وإذا كان الخطأ قد وقع لأئمة السنة أصحاب المصنفات والسنن والجوامع، فوقوعه فيمن بعدهم من العلماء أولى وأقرب.
يقول الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (١/٤٤٧) :
" فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة، إما لذهول عن ضعفها، وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب