يريد الاقتراض من غيره ويخشى أن يكون ماله حراما
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتاجر بمال حرام والآن أريد الخلاص منه وأن أبدأ بمال حلال، ولكن أصبحت أشك في أي أموال أريد أن أقترضها، وأخاف أن تكون حراما؟ كيف أتخلص من شكوكي وأغلب أموال الناس أجد فيها بعض المعاملات الحرام، وخوفي أن أقترض مالا من شخص أشك فيه ويأتي علي يوم أكتشف فيه أن أموالي حرام مرة أخرى فماذا أفعل؟ أرجو أن تدعو الله أن يرزقني مالا حلال لا أشك فيه. وما هو الحل لمشكلتي؟ وكيف أتخلص من شكوكي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على التوبة من الاتجار بالمال الحرام، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك، ويهيئ لك أسباب الرزق الحلال، وأن يبارك لك فيه.
ثانيا:
ينبغي إحسان الظن بالمسلم، وحمله على السلامة ما أمكن، فالأصل في الأموال التي معه أنه اكتسبها بطريق مباح، حتى يثبت خلاف ذلك، ومن كان هذا حاله جاز التعامل معه في ماله بيعا وشراء وهبة وقرضا وغير ذلك.
وقد قَررَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الأصل. فقال رحمه الله: " جميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى التي لا يُعلم بدلالة ولا أمارة أنها مغصوبة أو مقبوضة قبضا لا يجوز معه معاملة القابض، فإنه يجوز معاملتهم فيها بلا ريب، ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه.
ومعلوم أن غالب أموال الناس كذلك ...
فإذا نظرنا إلى مال معين بيد إنسان لا نعلم أنه مغصوب، ولا مقبوض قبضا لا يفيد المالك، واستوفيناه منه أو اتّهبناه منه [أي أخذناه هبة] أو استوفيناه عن أجرة أو بدل قرض لا إثم علينا في ذلك بالاتفاق، وإن كان في نفس الأمر قد سرقه أو غصبه.
فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل ... لكن إن كان ذلك الرجل معروفاً بأن في ماله حراماً ترك معاملته ورعاً، وإن كان أكثر ماله حراماً، ففيه نزاع بين العلماء.
وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلا، ومن ترك معاملته ورعاً كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢٩/٣٢٣- ٣٢٧) بتصرف واختصار.
والمال الحرام نوعان:
الأول: ما كان محرما لكسبه، فهذا حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مشروع، وذلك كالمال الذي كسبه صاحبه من الربا أو من العمل في بعض الوظائف المحرمة، فهذا إن اقترضتَ منه، لم يلحقك إثم؛ لأنك أخذته منه بوجه مشروع، ولكن كره بعض أهل العلم الاقتراض ممن هذا حاله.
والنوع الثاني: ما كان محرما لعينه، كالخمر، أو كان مستحقا للغير، كالمال المنهوب أو المسروق أو المغصوب، فهذا لا يجوز قبوله عن طريق الهبة أو القرض أو البيع والشراء، لأنه في حال الخمر مال مهدر شرعا، وفي حال المسروق والمغصوب، يجب رده إلى صاحبه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة، ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (٣ / ١١٢) .
وقال أيضا: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (١/١٩٨) .
وبهذا يتبين أن الأصل في الأموال التي بأيدي الناس أن لهم التصرف فيها، ويجوز معاملتهم فيها.
وما يوجد في بعض معاملاتهم من الحرام، لا يعني أن تكون تلك الأموال حراماً على جميع الناس، بل منها ما يكون حراماً على من اكتسبه فقط، ومنها ما يحرم على كل من علم بها. كما سبق.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والهداية والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب