هل يهجر أخته أو يضربها لعدم ارتدائها الحجاب!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للأخ أن يقاطع أخته إن رفضت التقيد بالحجاب الشرعي؟ حتى ولو كان ذلك من باب الإجبار على ذلك. وهل يمكنه أن يلجأ للضرب في حال تعذر جميع الوسائل الإقناعية؟ مع العلم بموافقة الوالدين لها. ما أود توضيحه لكم أنها تغطي رأسها وترتدي بنطلونات واسعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي للأخ أن يكون عونا لأخته على طاعة الله تعالى، ومن ذلك نصحها وتوجيهها للبس الحجاب الذي أمر الله تعالى به، وأن يسلك في ذلك سبيل الحكمة، والموعظة والدعوة بالتي هي أحسن، وأن يدع الغلظة والشدة، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحو/١٢٥، وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/١٥٩.
وقال عز وجل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/٥٣.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (٢٥٩٣) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ) رواه مسلم (٢٥٩٢) .
وهذا الرفق يتأكد في حق الداعية إذا كان خطابه موجها لأهله وأقاربه، لما لهم من الحق في الصلة والإحسان والبر.
ثانيا:
هجر أهل البدع والمعاصي مشروع، إذا غلب على الظن نفعه وتأثيره، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذي خلفوا عنه في غزوة تبوك، حتى تاب الله عليهم.
وقد يكون الهجر سببا في زيادة التمرد والعناد، وحائلا دون استمرار النصح والدعوة، فيمنع حينئذ.
فالهجر بمنزلة الدواء، يستعمل عند الحاجة، إذا غلب على الظن نفعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته: كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته: لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢٨ / ٢٠٦) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الشباب -هدانا الله وإياهم- يتهاونون في الصلاة تهاوناً عظيماً, لدرجة تصل إلى تركها بالكلية, وهؤلاء الشباب قد يكونون أقارب لنا مثل: الإخوان وغير ذلك, وبعضهم أصدقاء, فكيف التعامل معهم في نظركم: هل نقاطعهم مقاطعة شرعية أم ماذا؟
فأجاب: "لا شك أن التهاون بالصلاة سبب الشقاء والبلاء؛ لأن الصلاة إذا صلحت صلحَت الأعمال, وإذا فسدت فسدت الأعمال, فهي للأعمال بمنزلة القلب, ولهذا عند الحساب يوم القيامة أول ما ينظر في الصلاة, إن كان قد أضاعها هو لما سواها أضيع, وإن كان قد حافظ عليها ينظر في بقية أعماله, والصلاة عمود الدين إذا سقطت سقط البناء, ولقد قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/٥٩-٦٠. هؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة من الآباء والأبناء والإخوان، والأعمام والعمات والخالات وغيرهم من الأقارب, أو من الأصحاب أو من الجيران, يجب علينا أن ننصحهم ونحذرهم ونبين لهم ما في الصلاة من الخير والأجر العظيم, والآثار الحميدة, وما في تركها وإضاعتها من الشر والبلاء, فإن اهتدوا فهذا المطلوب, وإن لم يهتدوا نظرنا: هل في هجرهم والبعد عنهم فائدة بحيث يخجلون فيستعتبون, أو هذا لا يزيد الأمر إلا شدة ونفوراً؟ إن كان الثاني فإننا لا نهجرهم, وإن كان الأول فإننا نهجرهم, أي: إذا هجرناهم خجلوا واستقاموا, فهنا نهجرهم حتى يستقيموا, وإن كان الهجر لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة وبعداً ونفوراً منا فلا نهجرهم, لأن الهجر دواء, والدواء متى يستعمل؟ يستعمل عند الحاجة وعند ظن النفع, إذا لم تظن النفع في الدواء فلا تستعمله " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (٢٠٩/٥) .
ثانيا:
ليس لك اللجوء إلى ضرب أختك في حال إصرارها على ترك الحجاب، إذ لا سلطان لك عليها في ذلك، وحسبك النصح والبيان، والاستعانة بالوالدين، وتذكيرهم بما أوجب الله عليهم من المسئولية، والقيام على شئون الرعية، ما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/٦.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (٨٩٣) ومسلم (١٨٢٩) .
نسأل الله لأختك الهداية والتوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب