ما معنى اتخاذ الكفار أولياء؟ وحكم مخالطة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء، لكن ماذا يعني ذلك؟ أقصد إلى أي حدٍّ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم؟ أنا أدرس، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم؟ .
أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده، لكني مع ذلك أقول له: " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء؟ " وهو يرد قائلا: إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم، كما أن لهم صديقات، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/٥١.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/٨٠، ٨١.
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة/١٣.
وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) آل عمران/٢٨. فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً.
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى.
"أضواء البيان" (٢ / ٩٨، ٩٩) .
ومن صور مولاة الكفار المحرمة: اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم.
وفي جواب السؤال رقم (١٠٣٤٢) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله:
" ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس.
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ". انتهى.
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟
فأجاب:
لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/٤. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيََّهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/٢٢.
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/١.
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم: فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله ". انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (٣ / السؤال رقم ٣٨٩) .
ثانياً:
وأما قول هذا القائل: إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه.
فجوابه أن يقال:
أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم، ونهيهم عن المنكر، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها.
وأما مخالطته للكفار، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم: عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) الممتحنة/١.
فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه؟!
ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار، وإقامتهم في بلدانهم. فبعضهم تَهَوَّدَ، وبعضهم تَنَصَّر، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
وانظر جواب السؤال رقم (٢١٧٩) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة.
وفي جواب السؤال رقم (٤٣٢٧٠) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول.
وفي جواب السؤال رقم (٢٦١١٨) ، (٢٣٣٢٥) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب