للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والده قاطع والدته في الكلام والمعاملة فكيف يسعى في الإصلاح بينهما؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي قاطع والدتي عن الكلام والتعامل، حتى إنه لا يكلمها البتة، ولا يتعامل معها، ولا يرد السلام عليها، حتى إنه أيضاً ينام في غرفة مجاورة منذ ما يقارب الشهر ونصف، لغاية الآن، علماً أن والدي يبلغ من العمر قرابة ٥٨ عاماً، وهو من المدخنين، وقد قال لنا: إنه لا يريدها، وأنا وأخي نعرف أن والدتنا لا تكذب علينا، وأنه لا يوجد سبب لتعامله معها هكذا، حتى إنه أصبح لا يأكل معنا، ولا يجلس معنا، فهل حرام عليَّ أن أقاطعه؟ وماذا عليَّ فعله لإصلاح البيت؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نشكر لك حرصك على إصلاح أحوال بيتك، والسؤال عن طريقة التوفيق بين والديك، فنسأل الله تعالى أن ييسر أمر الإصلاح بينهما، وأن يكتب الأجر لك على ذلك، ونسأله تعالى أن يهدي والديك لما يحب ويرضى.

ثانياً:

لا شك أن الإصلاح بين المتخاصمِين من الأعمال الجليلة في الإسلام، حتى إن الله تعالى قد نصَّ على هذا العمل أنه من الأعمال الجليلة فقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء/ ١١٤، كما نصَّ عليه تبارك وتعالى فيمن امتنع عنه بسبب يمين حلفه، فقال: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ ٢٢٤، كما أنه تعالى قد أمر به في قوله (فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) الأنفال/ ١.

وينظر في هذا جواب السؤال رقم: (٦٥٥٠٠) .

وإذا كان الأمر كذلك في الإصلاح بين المتخاصمين من الناس الأباعد: فإن الإصلاح بين الأقارب أجل وأعظم، وأكثر أجراً، وأعظم منه وأجل: الإصلاح بين الزوجين؛ لما يترتب على الإصلاح بينهما من عمار بيتهما، وحسن تربية أولادهما، ولما في القطيعة بينهما من آثار سيئة على أولادهما.

ثالثاً:

من الخطأ البيِّن أن تقطع علاقتك بوالدك، فهو عملٌ محرَّم من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يزيد في القطيعة بين والدك ووالدتك، ويفتح باباً آخر فيها، والمراد منك ومن أخيك إغلاق باب القطيعة والمخاصمة، لا فتح أبواب أخرى عليكم.

والذي ننصحك به لتفعله:

١. دعاء الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يوفق الله بين والديك.

فالدعاء سلاح المؤمن، وعليك تحري أفضل الأوقات له، وهو ثلث الليل الآخر، واحرص على أفضل الهيئات، وهو السجود.

٢. انتداب حكَمين صالحين، عاقلين، من أهل والدك، ومن أهل والدتك، ليحكم بينهما فيما فيه يختلفون، ويُرجى أن يصلح الله بين والديك إن أحسنت اختيار الحكَّام، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) النساء/ ٣٥.

قال الشيخ طاهر بن عاشور – رحمه الله -:

وقوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً) الظاهر أنّه عائد إلى الحكَمين؛ لأنّهما المسوق لهما الكلام، واقتصر على إرادة الإصلاح لأنّها التي يجب أن تكون المقصد لولاة الأمور، والحكَمين، فواجبُ الحكَمين أن ينظرا في أمر الزوجين نظراً منبعثاً عن نية الإصلاح، فإن تيسّر الإصلاح فذلك، وإلاّ صارا إلى التفريق، وقد وعدهما الله بأن يوفّق بينهما إذا نويا الإصلاح، ومعنى التوفيق بينهما: إرشادهما إلى مصادفة الحقّ، والواقعِ، فإنّ الاتّفاق أطمَن لهما في حكمهما، بخلاف الاختلاف.

" التحرير والتنوير " (٥ / ٤٧) .

٣. تذكير والدك بفضل العفو، والصفح، وأثر الصلح مع والدتك على أجواء البيت، وعلى أولاده؛ فإن من شأن حسن التذكير أن يساهم في الإصلاح، وإليك ما يمكن تذكيره به:

قال تعالى: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة/ ٢٣٧.

وقال تعالى: (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران/ ١٣٤.

قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور/ ٢٢.

٤. تذكيره بحرمة الهجر من غير عذر، وبحرمة ترك السلام على والدتك.

٥. ولا مانع من أن تكذب على الطرفين من أجل الإصلاح، فتنقل لوالدتك حب والدك لها، ومعزتها عنده، وتنقل لوالدك شوق والدتك له، ومحبتها له، وعودة الأمور لأحسن مما كانت عليه.

عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) .

رواه البخاري (٢٤٩٥) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٦٠٣١٦) .

وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (١١٢٠٢٠) .

ونسأل الله أن يصلح حال والديك، وأن يهديهما ويوفقهما لما يحب ويرضى.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>