الوصاية على أموال اليتامى إذا تزوجت أمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد ثلاثة أيتام قصر، ولديهم مال وهو موجود عند أمهم، وتزوجت الأم الآن من شخص لا يقرب لهم، علما بوجود جدهم لأبيهم، وجدتهم لأبيهم، وجدتهم لأمهم، وأعمام وأخوال؛ فمن يكون المسؤول عن مالهم في هذه الحالة؟ علما بأن المال كان لمدة خمس سنوات مع أمهم ولم تستثمره في شيء، ونقص من الزكاة في هذه المدة. أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
الأصل في هذا أن يتولى أموال اليتامى: الوصي الذي أوصى له الأب، سواء كان الوصي من الأقارب كالأم أو العم أو الجد أو غيرهم.
فإن لم يوص الأب لإنسان معين بالولاية على مال أبنائه، فيكون الجد (أبو الأب) هو القائم والمسئول عن أموالهم.
فإن لم يكن الجد موجوداً، فتكون الولاية للأم، أو للأقرب من العصبات كالأخ والعم ونحوهم، فإذا تصدى لها أكثر من واحد من العصبات، وهم في درجة واحدة، اختار الحاكم أصلحهم لهذه الولاية، من حيث الأمانة والقوة على حفظ المال وصيانته.
قال شيخ الإسلام: " والولاية على الصبي والمجنون والسفيه تكون لسائر الأقارب ... ، وتكون الولاية لغير الأب والجد والحاكم، وهو مذهب أبي حنيفة، ومنصوص أحمد في الأم؛ وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدا ". انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (٥/٣٩٧) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " الولاية تكون لأولى الناس به، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره.
وهذا هو الحق ـ إن شاء الله تعالى ـ، وعليه فالجد أو الأب يكون ولياً لأولاد ابنه، والأخ الشقيق ولياً لأخيه الصغير، والأم إذا عدم العصبة تكون ولية لابنها، نعم إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والحب والعطف، فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولي من هو أولى ". انتهى "الشرح الممتع" (٩/٨٦) .
ثانياً:
بناء على ما سبق فإن الولاية على أموال هؤلاء اليتامى تكون لجدهم، فإن كان الجد عاجزاً أو لا يستطيع القيام بإدارة أموالهم، فتنتقل الولاية للأم.
ولا تأثير لزواج الأم في ولايتها على أبنائها، ففرق بين الحضانة والولاية على المال، فالحضانة تسقط بالزواج، وأما الولاية على المال فلا تسقط بالزواج.
ثالثا:
والواجب على ولي مال اليتيم سواء كان الجد أو الأم أو غيرها العناية بأموالهم وتنميتها، والحرص على استعماله بما يحقق لهم المصلحة ويعود عليهم بالنفع.
لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي: لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة وتنمية له.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ، وَأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يُضَارِبُ لَهُ بِهِ، وَيَجْعَلُ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ، أَباً كَانَ، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ حَاكِمًا، أَوْ أَمِينَ حَاكِمٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ: ابْنُ عُمَرَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. ويُرْوَى إبَاحَةُ التِّجَارَةِ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالضَّحَّاكِ.
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ اجْتِنَابَ الْمُخَاطَرَةِ بِهِ، وَلِأَنَّ خَزْنَهُ أَحْفَظُ لَهُ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ} . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْمَرْفُوعِ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، لِتَكُونَ نَفَقَتُهُ مِنْ فَاضِلِهِ وَرِبْحِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ، وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا لِأُمَّيْنِ وَلَا يُغَرِّرُ بِمَالِهِ " انتهى. "المغني" (٦/٣٣٨-٣٣٩) .
وإذا كانت الأم، أو القائم على مالهم عاجزا عن إدارة أمولهم بما يعود عليهم بالخير والنفع، فإن الولاية تنتقل لمن بعده، ممن هو أهل لهذه المسئولية.
قال شيخ الإسلام: " لا يجوز أن يُولَّى على مال اليتامى إلا من كان قوياً، خبيراً بما وُلي عليه، أمينا عليه، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يُستبدل به من يَصلح ". انتهى "مجموع الفتاوى" (٣٠/٤٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب