للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم الكذب لدفع الظلم وحماية المال

[السُّؤَالُ]

ـ[ورد في إجابة السؤال رقم ٤٥٧١٣ بأنه يشرع للإنسان أن يتخلص من هذه الرسوم المحرمة بكل وسيلة ممكنة لا يترتب عليها ضرر أو مفسدة أعظم، ولو كان ذلك بالحيلة أو بدفع مبلغ للتخلص من الظلم الواقع عليه. والسؤال هو كيف لي أن أقدر الضرر؟ السؤال الثاني: في بلدنا يوجد قرار يمنح الحق للطلبة المقيمين في الخارج لأكثر من سنة بأن يقوموا باستيراد سيارة من الخارج وتكون سنة الصنع غير محددة بزمن معين في الوقت الذي يتم فيه تحديد العمر للسيارات المستوردة من قبل المواطنين المقيمين في البلد وهو ٧ سنوات فقط وبالتالي يكون سعر السيارة أعلي بكثير من السيارة التي يقوم الطلبة باستيرادها وهنا بدأ التحايل على الجمارك بأن يقوم بعض المواطنين بتزوير ما يفيد بأنه مقيم في الخارج أو يدرس في الخارج لأكثر من عام وبالتالي يستطيع استيراد سيارة بسعر أقل وجمرك أقل , فهل يجوز لي أن اشترى مثل هذه الرسائل المزورة لأتمكن من استيراد سيارة وبسعر أرخص وبالتالي دفع جمرك أقل. ويوجد بعض المخلِّصين الجمركيين تقوم بإعطائهم مبلغاً من المال ويقومون هم بإكمال كافة الإجراءات من ضمنها توفير الرسالة التي تفيد بأنك مقيم في الخارج وبالتالي تصبح قادراً على إتمام إجراءات استيراد السيارة فهل يجوز هذا النوع من التحايل لغرض التجارة أو الامتلاك؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

تقدير الضرر والمفسدة يعتمد على معرفة النظم والقوانين المعمول بها في البلد، ومدى التساهل أو التشدد في تطبيقها، فقد يتخلص الإنسان من الضريبة بدفع جزء من المال للقائمين على تحصيلها، وهو يعلم أنه في حال اكتشاف الأمر لن يناله عقاب أو مضرة، أو أنه يمكن تلافي ذلك ببعض الوسائل، وقد يكون الأمر على العكس من ذلك، بحيث ينال عقابا مضاعفا، فهذا يختلف باختلاف البلدان والأنظمة.

ومرادنا بالوسيلة الممكنة: الوسيلة المباحة، التي منها دفع المال، لرفع الظلم، كما بَيَّن أهل العلم، فإن الإثم هنا يكون على الآخذ، لا على الدافع، وينظر: جواب السؤال رقم: (٢٥٧٥٨) ورقم (٧٢٢٦٨) .

ثانيا:

لا ينبغي الإقدام على الكذب، لرفع هذا الظلم، بل يلجأ إلى استعمال المعاريض إن أمكن.

قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (١/١١) في بيان حكم الكذب: " قال ابن الجوزي وضابطه: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان ذلك المقصود مباحا , وإن كان واجبا فهو واجب.... ويجب الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل ".

إلى أن قال: " ومهما أمكن المعاريض حرم، وهو ظاهر كلام غير واحد، وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذاً ... " انتهى.

فإن لم يمكن استعمال المعاريض، جاز الكذب لدفع الظلم واستنقاذ المال.

قال ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة الحجاج بن عِلاط رضي الله عنه: " ومنها: جواز كذب الإنسان على غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب. وأما ما نال مَنْ بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب، فكان الكذب سببا في حصول هذه المصلحة الراجحة " انتهى من "زاد المعاد" (٣/٣٠٦) .

وقصة الحجاج بن علاط رواها أحمد بإسناد صحيح، وجاء فيها: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ، فَقَالَ: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ اسْتُبِيحُوا، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ: فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ) الحديث.

فخدع كفار قريش بهذا الكذب، واستطاع أن يخلص ماله.

وقال الغزالي في الإحياء (٣/١٣٨) : " فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلما، وعرضه، بلسانه وإن كان كاذبا " انتهى.

وقال أيضاً: " إلا أنه ينبغي أن يحترز منه [يعني الكذب] ما أمكن، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة، فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة " انتهى.

وقال الدردير في "الشرح الصغير" (١/٧٤٤) : " يكون الكذب واجباً لإنقاذ نفس معصومة أو مال معصوم من ظالم " انتهى.

وقال الخادمي في "بريقة محمودية" (٣/١٧٨) بعد ذكر ما رخص فيه الشرع من الكذب في الحرب وللصلح بين اناس وبين الزوجين: " وألحق بهذه الثلاثة بدلالة النص أو القياس دفع ظلم الظالم كمن أخفى مسلما عن ظالم يريد ظلمه، أو أخفى ماله وسئل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا نظائره.

والحاصل: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب وإلا جاز الكذب، ثم إن كان المقصود مباحا فالكذب مباح، وإن واجبا فواجب، كما نقل عن رياض الصالحين للنووي، ويؤيده قاعدة للوسائل حكم المقاصد " انتهى.

وهذا مقيد أيضا بأن يغلب على الظن عدم ترتب مفسدة أكبر أو مضرة أعظم في حال اكتشاف الأمر.

وفي "الموسوعة الفقهية" (٣٤/٢٠٥) : " ومحل الوجوب (أي وجوب الكذب إذا كان المقصود واجبا) ما لم يخش التبيّن ويعلم أنه يترتب عليه ضرر شديد لا يحتمل " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>