للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نقل الميت إلى بلده

[السُّؤَالُ]

ـ[لي صديق قد توفي زوج أخته الأسبوع الماضي – رحمة الله عليه – وبعد وفاته قام إخوانه وأقاربه بنقل جثته إلى قريتهم والتي تبعد حوالي ١٤ ساعة بالسيارة عن المكان الذي كان يعيش فيه عند وفاته. قالت زوجته – زوجة الميت – للإخوة بأن زوجها قد ترك ورقة مكتوبة وذكر فيها أن يتم دفنه مباشرة في نفس المكان الذي يتوفى فيه، ولكن أحداً لم يستمع لكلامها. وفيما بعد وجدت زوجته الوصية المكتوبة والموقعة بين أوراقه.

هل قام إخوته وأقاربه بارتكاب معصية؟ وما الذي يجب عمله الآن؟ هل هناك صدقات يجب أن يدفعها إخوته وأقاربه لعدم اتباعهم للوصية؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

المسألة هنا تناقش من طرفين:

الأول: مسألة العمل بوصية الميت.

الثاني: حكم نقل الميت من البلد الذي مات فيه إلى بلد آخر.

أما المسألة الأولى فتنفيذ وصية الميت واجب، سواء أوصى بواجب أو مستحب.

انظر الشرح الممتع ٥ / ٣٣٣

أما المسألة الثانية:

قال الشيخ الموفق ابن قدامة:

فلا يُنقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الأوزاعي وابن المنذر ..... ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح: جاز.

" المغني " (٢ / ١٩٣ – ١٩٤) .

قالت اللجنة الدائمة في هذا الموضوع:

كانت السنَّة العمليَّة في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه أن يُدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه، وأن يُدفن الشهداء حيث ماتوا، ولم يثبت في حديث ولا أثر صحيح أن أحداً من الصحابة نقل إلى غير مقابر البلد الذي مات فيه أو في ضاحيته أو مكان قريب منه.

ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء: لا يجوز أن ينقل الميت قبل دفنه إلى غير البلد الذي مات فيه إلا لغرض صحيح مثل أن يُخشى من دفنه حيث مات من الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومة أو استهتار وعدم مبالاة، فيجب نقله إلى حيث يؤمن عليه.

ومثل أن ينقل إلى بلده تطييباً لخاطر أهله وليتمكنوا من زيارته: فيجوز.

وإلى جانب هذه الدواعي وأمثالها اشترطوا أن لا يخشى عليه التغير من التأخير، وأن لا تنتهك حرمته، فإن لم يكن هناك داعٍ، أو لم توجد الشروط: لم يجز نقله.

فترى اللجنة أن يُدفن كل ميت في مقابر البلد الذي مات فيه، وأن لا ينقلوا إلا لغرض صحيح عملاً بالسنَّة، واتباعاً لما كان عليه سلف الأمة، وسدّاً للذريعة، وتحقيقاً لما حثَّ عليه الشرع من التعجيل بالدفن، وصيانة للميت من إجراءات تتخذ في جثته لحفظها من التغير، وتحاشياً من الإسراف بإنفاق أموال طائلة من غير ضرورة ولا حاجة شرعية تدعو إلى إنفاقها، مع مراعاة حقوق الورثة، وتغذية المصارف الشرعيَّة وأعمال البر التي ينبغي أن ينفق فيها هذا المال وأمثاله.

وعلى هذا حصل التوقيع، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

" فتاوى إسلامية " (٢ / ٣١، ٣٢) .

وأما بالنسبة لما فعله أقارب الميت:

فإن كانت مخالفتهم الوصية وعدم عملهم بها بعد إخبار الزوجة لهم بسبب إتهامهم لها وشكهم في صدقها، فلا شيء عليهم لأنهم لم يتعمدوا المخالفة، وقد قال الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / ٥.

أما إن كانوا صدقوها ثم لم يبالوا وخالفوا الوصية فهم آثمون معتدون على حق الميت.

وأما نقلهم للميت هذه المسافة فإن لم يكن ذلك لغرض صحيح، فهو اعتداء ثان على حق الميت، لأن من إكرام الميت التعجيل بتجهيزه ودفنه، كما قال العلماء.

انظر: المدخل ٣ / ٢٣٧ لأبي الحاج المالكي.

فعليهم التوبة والاستغفار والندم والدعاء للميت، وليس عليهم شيء من الصدقات، وإذا تصدقوا كان ذلك حسناً، فإن الصدقة من أسباب المغفرة وتكفير الذنوب.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>