للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث أم سلمة فيمن لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى غربت الشمس

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت أن طواف الإفاضة لا بد أن يكون يوم العيد قبل غروب الشمس، وأن من لم يطف قبل غروب الشمس فإنه يرجع إلى الإحرام مرة أخرى ولا يجوز له لبس المخيط ولا التطيب.. حتى يطوف. فهل هذا صحيح؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قد ورد في ذلك حديث رواه أحمد (٢٥٣٢١) وأبو داود (١٧٠٨) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مساء يوم النحر: (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) .

إلا أن هذا الحديث ضعفه أكثر العلماء، وحُكي الإجماع على عدم العمل به.

وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب:

"سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرماً.

أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من وجوه:

الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) .

فأما ابن إسحاق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحاق تقبله؟ قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة، وإنما يعتبر به اهـ "تهذيب" (٩/٣٩-٤٦) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة.

وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (٢/٤٤٨) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلي" (٧/١٤٢) : ليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ، ولو صح يعني: حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك.

وقد أخرج الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (٢/٢٢٨) نحو حديث أم سلمة لكنه عن طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في "التقريب" (١/١٤٤) : صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما اهـ قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقاً، وبعضهم فيما روى عنه غير العبادلة.

فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له.

الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت، بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢/٢٢٩) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: "فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " اهـ.

الوجه الثالث: من جهة العمل به، إذ لم يعمل به من الأمة [من] أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من الصحابة. إن صح النقل عنهم. فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص٤٧٢) حين ذكر الحديث: "وهذا حكم لا أعلم أحداً قال به" اهـ. ونقل النووي في "شرح المهذب" (٨/١٦٥) عن البيهقي قوله: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخاً، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ ولا يُنْسخ، لكن يدل على ناسخ اهـ فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعاً دالاً على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر، لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلاً حتى يدعى فيه النسخ.

هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص٤٧٠) إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي.

وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحة أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرماً.

أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر.

الوجه الرابع:

أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجباً، وكل قاعدة لها مستثنيات" انتهى من فتوى مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله بتاريخ ٥/١٢/١٤١٥هـ.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>