للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوانين القبائل والدعوة إلى إحيائها

[السُّؤَالُ]

ـ[نشر بعضهم مقالاً يدعون فيه إلى إحياء قوانين القبائل وأن هذا من التراث الذي لا يصح أن يضيع وأن تجمع وتدرس وتعمل فيها أبحاثاً جامعية وتقارن ببعضها وبغيرها، فما حكم ذلك؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يجب على جميع المسلمين أن يتحاكموا إلى كلام الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في كل شيء لا إلى العادات والأعراف القبلية، ولا إلى القوانين الوضعية، قال الله سبحانه وتعالى: (وما اختلفتم فيه من شي فحكمه إلى الله) الشورى/١٠، وقال سبحانه: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) النساء/٦٠، وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/٥٠، وقال عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء/٥٩، فيجب على كل مسلم أن يخضع لحكم الله ورسوله، وألا يقدم حكم غير الله ورسوله - كائناً من كان - على حكم الله ورسوله، فكما أن العبادة لله وحده فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه وتعالى: (إن الحكم إلا لله) يوسف/٤٠، فالتحاكم إلى غير كتاب الله سبحانه وتعالى، وإلى غير سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات وأقبح السيئات، بل قد يكفر المتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا اعتقد حل ذلك، أو اعتقد أن حكم غيرهما أحسن، قال سبحانه وتعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء/٦٥.

فلا إيمان لمن لم يحكّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد تحاكم إلى الطاغوت.

وبهذا يعلم أنه لا يجوز إحياء قوانين القبائل وأعرافهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلاً من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها وإماتتها والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع الله سبحانه وتعالى، ففيه صلاح الجميع وسلامة دينهم ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل الله بها من سلطان، بل يجب أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، وذلك لا يمنع الصلح بين المتنازعين بما يزيل الشحناء ويجمع الكلمة ويرضي الطرفين بدون إلزام، على وجه لا يخالف الشرع المطهر، لقوله سبحانه وتعالى: (والصلح خير) النساء/١٢٨، وقوله عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) النساء/١١٤، وقوله جل وعلا: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) الأنفال/١، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً) .

فالواجب الالتزام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إليهما، والحذر مما يخالفهما، والتوبة النصوح مما سلف مما يخالف شرع الله تعالى.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

[الْمَصْدَرُ]

كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/٨ص / ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>