للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم لبس الملابس الداخلية للمحرِم

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا ذاهب للحج هذا العام، ولكن حالتي الصحية تستوجب أن أقوم بارتداء ملابس داخلية ضيقة (ملابس داخلية عادية) لمنع قطرات من البول تخرج مني أثناء القيام ببعض الحركات، كما يحدث في الصلاة من أن تلوث ملابسي الخارجية، ونظراً لهذه الظروف فهل يجوز لي ارتداء ملابس داخلية عادية تحت ثوب الإحرام؟ وفي حال ما لم يكن جائزاً فما هو الحل البديل؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اختلف العلماء في حكم لبس اللباس الداخلي للرجل الذي يغطي العورة المغلظة وهو ما يسميه العلماء بـ " التُّبَّان " فذهب بعضهم إلى جوازه من غير ضرورة ولا حاجة، وقالوا: بأنه لم يرد النص في المنع منه فيما لا يلبسه المحرم.

وذهب الجمهور إلى أن لبسه ممنوع، وأنه يقاس على السراويل، بل ذهب بعض العلماء إلى أنه أولى بالمنع منه،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

" وكذلك التبان أبلغ من السراويل " انتهى.

" مجموع الفتاوى " (٢١ / ٢٠٦) .

وقال ابن القيم – رحمه الله -:

" قال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم.

قال:

وأجمعوا بأن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها ... .

ومن ذلك: نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحرم عن لبس القميص والسراويل والعمامة والخفين، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النهي إلى الجباب والأقبية والطاقية والجوربين والتبان، ونحوه" انتهى باختصار.

" إعلام الموقعين " (١ / ٢٠٥ – ٢٠٧) .

وبه يتبين خطأ من استدل بجواز لبس التبان بكونه لم يُنص عليه في الحديث الذي بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يلبسه المحرم.

قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم، عند جميع أهل العلم.

" التمهيد " (١٥ / ١٠٤) .

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

" قال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذُكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل. انتهى.

وخصَّ ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس، وهو واضح.

والمراد بتحريم المخيط: ما يلبس على الموضع الذي جعل له، ولو في بعض البدن " انتهى.

" فتح الباري " (٣ / ٤٠٢) .

واستدل من قال بجواز لبس المحرم للتبان بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أجازت لبسه للحمَّالين، وما ورد عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يلبسه.

أ. أثر عائشة:

قال البخاري – رحمه الله – في " صحيحه " (٢ / ٥٥٨) -:

باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها.

انتهى

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

" وقد وصل أثر عائشة: سعيد بن منصور، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: " أنها حجت ومعها غلمان لها، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين، فيلبسونها وهم محرمون ".

وفي هذا رد على ابن التين في قوله " أرادت النساء "؛ لأنهن يلبسن المخيط، بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم ". انتهى من " فتح الباري " (٣ / ٣٩٧)

وقد يُجاب عن هذا بأن عائشة رضي الله عنها أمرتهم بلبسه للضرورة، لأن عورتهم كانت تنكشف، فلا يدل على جواز لبسه بدون ضرورة.

ب. أثر عمار:

روى ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأيت على عمار بن ياسر تُبَّاناً، وهو بعرفات.

" مصنف ابن أبي شيبة " (٦ / ٣٤) .

وهذا محمول على الضرورة، حيث ورد عند ابن شبة في " أخبار المدينة " (٣ / ١١٠٠) ما يدل على إصابة عمار بن ياسر رضي الله عنه زمن عثمان بن عفان رضي الله، وفيه قوله " فلا يستمسك بولي ".

وفي " النهاية في غريب الأثر " (٢ / ١٢٦) :

وفي حديث عبد خير قال: رأيت على عمار دقرارة، وقال: " إني ممثون "

الدقرارة: التبَّان، وهو السراويل الصغير الذي يستر العورة وحدها، والممثون: الذي يشتكي مثانته.

وفي " لسان العرب " (١٣ / ٧١) :

وفي حديث عمار أنه صلَّى في تبَّان، فقال: إني ممثون، أي: يشتكي مثانته. انتهى

وهذه الآثار لو فرض عدم ثبوت آحادها: فهو يدل على أن لها أصلاً.

والصحيح: أنه يمنع الرجل المحرم من لبس التبَّان، ويُحمل ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه للضرورة، وليس فيه نفي الفدية عمن لبسه.

ويُحمل ما ورد عن عمار بن ياسر أنه كان للضرورة بسبب إصابته في المثانة

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:

" وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها لضرورة انكشاف العورة، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة، والعلم عند الله تعالى ". انتهى

" أضواء البيان " (٥ / ٤٦٤) .

ثانياً:

يجوز لبس التبان لمن كان يعمل في التحميل – مثلاً - ويَخشى انكشاف عورته، كما يجوز لبسه لمن يتمزق جلده بسبب الاحتكاك، ويخشى على نفسه الضرر، ويجوز كذلك لمن به جرح في عورته ويحتاج لتغطيته، ومثله من كان مبتلى بسلس البول – وهي حالة مشابهة لحالة عمار بن ياسر -، وفي كل تلك الأحوال – وما يشبهها – على لابسه الفدية، وهي: إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة

قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/ ١٩٦.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: (مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى - الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ)

رواه البخاري (١٧٢١) ومسلم (١٢٠١)

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن لبس المحرم للتبان، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر.

فأجاب:

إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن.

" لقاءات الباب المفتوح " (١٧٧ / السؤال ١٦) .

وانظر أجوبة الأسئلة: (٢٠٨٧٠) و (٤٩٠٣٣)

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>