للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم ما يُسمى بـ " حرية الكلام "، و " حرية الرأي "؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده: يعلم أنَّ فعله، وكلامه، ورأيه، منضبط بما أراده الله، ورضيه , وأما الماديون، ودعاة التفسخ والانحلال: فينطلقون من مبدأ: قل ما تشاء، وافعل ما تشاء، واعبد ما تشاء.

فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض: أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ ٥٦ – ٥٨، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ ١١٥،١١٦.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:

أي: (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي: سدى، وباطلا، تأكلون، وتشربون، وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم، ولا ننهاكم، ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) لا يخطر هذا ببالكم، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)

" تفسير السعدي " (ص ٥٦٠) .

فمن علم أنه عبد لله: فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام، والرأي، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية: فالأمر سيان عندهم، تكلم بما شئت، واعمل ما شئت , في حق الله، وفي حق الدين.

ثانياً:

لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ ١٨.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (٦١١٣) .

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (٥٦٧٢) ومسلم (٤٧) .

قال النووي رحمه الله:

وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال: " إذا أراد أن يتكلم: فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه: تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر، أوشك فيه: أمسك ".

" شرح مسلم " (٢ / ١٩) .

ثالثاً:

إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور، منها:

١. القانون.

ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ، ولأهل الفكر، أن يبحثوا القضية، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تل البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود.

ومنها: العرف، والذوق العام، والاصطدام بحرية الآخرين.

فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي، فليكن الحكم في ذلك، لحكم الله، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل.

وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار.

إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل، وعليه واجب التذكير والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم، فالواجب منعه من هذا الكلام، ونهيه عن هذا المنكر.

والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد، والمسائل الاجتماعية، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء، ونصح المخطئين، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع، وآدابه، فلا تهييج للعامة، ولا دعوة للفوضى، ولا اتهام للأبرياء، ولا قذف للأعراض، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل.

وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام، والرأي: مقصدهم من ذلك: حرية التطاول على الدِّين الإسلامي، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ.

فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام.

وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة.

والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء، ومنعهم من هذا المنكر، حفاظاً على دين الأمة، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه.

والحاصل: أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى، وعدم الخروج عن شرعه، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع.

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي "، أي: يُفتح المجال لأهل الخير، وأهل الشر، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع؟ .

فأجاب:

"هذا باطل، لا أصل له في الإسلام، بل يجب أن يُمنع الباطل، ويُسمح للحق، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية، أو الوثنية، أو يدعو إلى الزنا، أو القمار، أو غير ذلك، سواء بالأسلوب المباشر، أم غير المباشر، بل يُمنع، ويؤدب، بل إن هذه هي: " الإباحية المحرمة " انتهى.

" فتاوى إسلامية " (٤ / ٣٦٧، ٣٦٨) .

وانظر لمزيد الفائدة جوابي السؤالين: (٩٨١٣٤) و (٩٤١٠) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>