للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طالبة علم وترغب الدخول في باب دعوة الشباب بالمراسلة دون علم زوجها

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة في أواخر العشرينات من عمري، متزوجة، حاصلة على درجة الماجستير من جامعة شرعية أعمل محاضرة في إحدى الجامعات الشرعية غير المختلطة، تربيت في أسرة محافظة، فحفظت كتاب الله ولم أتجاوز الخامسة عشرة، أحمل همّاً كبيراً للدعوة إلى الله، وخاصة لدعوة الشباب، لأني أزعم أنني أعرف شيئاً من توجهاتهم، واهتماماتهم، وأساليب الوصول إليهم، والتأثير فيهم، بحكم كوني واحدة منهم، وبحكم عملي بينهم، واطلاعي على كثير من أحوال الطالبات في الكلية، ومن المعلوم أن من أكثر ما يقبل عليه الشباب هذه الأيام هي القنوات الإلكترونية: المحادثة، وما يسمى بـ " الشات "، وغرف الدردشة التي يتبادلون فيها كل شيء مما يكون غالبا مضيعة للأوقات إن لم يكن خادشاً للحياء، ومنافياً للمبادئ والقيم الإسلامية، ودائماً ما أحدِّث نفسي باستغلال مثل هذه القنوات للوصول إلى الشباب والتأثير فيهم، ودعوتهم إلى الله، وعدم تركهم لأهوائهم، ولمن يريد إفسادهم بكل طريق، فكثير ما يترك المصلحون والصالحون مثل هذه المجالات خوفاً على أنفسهم، وعلى مبادئهم، فيخلو الجو للشيطان، وأعوانه، وكثيراً ما يحصر الدعاة والمصلحون وأصحاب المبادئ جهودهم في الدروس، والمحاضرات، والقنوات، والمنتديات الإسلامية، والجمعيات الخيرية، والمساجد، ودور التحفيظ، مما لا يكاد يحضرها إلا الشريحة المحافظة والملتزمة أصلاً من الشباب، فتزيدهم نوراً على نور، ويبقى الغافلون بلا ناصح أو مذكِّر، فهل يحق لي شرعاً التواصل مع الشباب (الجنسين) عن طريق مثل هذه الوسائل الإلكترونية (عن طريق الكتابة فقط) ومحاولة التأثير فيهم، والوصول إلى قلوبهم، ودعوتهم، وخاصة أن مثل هذه الوسيلة تحتاج إلى كثير من الصبر والتبسط في الحديث للوصول إلى المراد؟ وهل يعتبر ذلك من خيانة الزوج الذي قد لا يحتمل محادثتي لأي شاب - ولو كتابة - وفي أي مجال مهما كان - خاصة وأنه لم يتعود مني الكلام إلا مع محارمي أو مشايخي في الجامعة؟ . أرجوك، أنتظر توجيهك، وإرشادك، فحال شبابنا يؤرقني، وهمُّ الدعوة إلى الله يملأ قلبي، فهل أبدأ؟!]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نشكر لك حرصك على الدعوة إلى الله، ونسأل الله أن يكتب لك أجر ذلك، وأن يجعلك من الداعيات المخلصات.

ثانياً:

الدعوة إلى الله واجبة على الرجال والنساء، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/ ١٠٤.

ويمكنك الاقتصار على دعوة الفتيات دون الشباب الذكور، – ولو كتابة -؛ للأسباب التالية:

١- أن الأمر فيه فتنة للطرفين، وإذا سلم أحد الطرفين لقوة إيمانه ودينه فإنه لا يُضمن سلامة الطرف الآخر، ومن شأن تلك المحادثات أو الكتابات أن تؤدي إلى إذابة الحواجز بين المرأة والرجل، ولا يُدرى ما يكيد به الشيطان لهما إن كانا سليما النية والقصد، كما لا يُدرى ما يكيده الطرف الآخر إن كان شيطاناً من الإنس، والواجب على المسلم الحذر من كل ما يؤدي إلى فتنته، أو فتنة غيره به.

والواقع يشهد بذلك، فكثير من البيوت قد انهدمت بسبب تلك المحادثات، وقد جرَّت تلك المحادثات فتيات إلى الهاوية، ولا شك أنهن لم يكن يردن ذلك، ولا خطر ببالهن يوماً أن يكون ذلك مصيرهن، ولكنه استدراج الشيطان وخداع النفس.

٢- الأمة الإسلامية فيها خير كثير، ويوجد من الدعاة من يغطي جانب دعوة الشباب، وليس الأمر محتاجاً لمن يقوم به من النساء.

٣- زوجك لا يرضى بهذا الأمر منك، وإن فعلتِ ذلك دون علمه كان خيانة له ولا شك، وهو أمرٌ لا يقبل مثلُك أن يقع فيه.

ونود أن نقف معك بعد هذا وقفتين:

أ. إننا نرى عالم النساء مليئاً بالمشكلات والمآسي، وهنَّ يحتجن بشدة إلى من يقف معهن من بنات جنسهن لدلالتهن على طريق الاستقامة، فهل انتهيتِ من أولئك النساء حتى فكرتِ في دعوة الشباب؟

ب. هل ترضين أن يقوم زوجك بدعوة النساء للسبب الذي تذكرينه في دعوة الرجال؟ إننا نكاد نجزم أنك – بحسب خبرتك العلمية والدعوية – ستذكرين من مفاسد دعوة الرجال للنساء بالمحادثة أو المكاتبة الشيء الكثير، كما نجزم أنه قد بلغك حوادث مؤلمة لمشكلات حصلت في بيوت إخوة وأخوات جرَّاء تلك الكتابات أو المحادثات، وهو ما يجعل المرء يجزم بأن الشريعة المطهرة لا تفتح الأبواب الموصدة أمام الفتن والشهوات، بل تبقيها محكمة الإغلاق. وهاتان فتويان لأهل العلم تجمع ما سبق بيانه:

١. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"للمرأة مجال للدعوة في بيتها، لأسرتها، من زوج، ومحارم، رجالاً، ونساءً، ولها مجال في الدعوة الإسلامية خارج بيتها للنساء، إذا لم يكن في ذلك سفر بلا زوج ولا محرم، ولم يُخش الفتنة، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة، ودعت إلى ذلك الحاجة، ولم ينشأ عن ذلك ضياع ما هو أوجب عليها من حقوق أسرتها" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٢ / ٢٤٩، ٢٥٠) .

٢. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

كيف تدعو المرأة إلى الله إذا كان لديها علم وحماس، وتريد أن تدعو إلى الله، فما هي الطريقة التي تتبعها؟ وما هي المجالات التي تستطيع أن تدعو إلى الله فيها؟

فأجاب:

"الطريقة التي تتبعها هي ما أمر الله به في قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وأما المجالات: فهي مجامع النساء، كالمدارس، وغيرها، تحضر إليهن، وتدعوهن إلى الله عز وجل، ولكل مقام مقال، بإمكانها أن تعرف هل المقام يقتضي الترغيب أو الترهيب أو الجمع بينهما بحسب الحال، فمجالات عملها إنما هو مجامع النساء فقط، أما مجامع الرجال: فإنه للرجال" انتهى.

" فتاوى نور على الدرب " (شريط ١٢٨، وجه ب) .

وللنظر في فتاوى أخرى حول حكم المراسلة بين النساء والرجال: انظري أجوبة الأسئلة: (٧٨٣٧٥) و (٣٤٨٤١) و (٢٣٣٤٩) و (٢٠٩٤٩) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>