نصائح، وتوجيهات لمعدِّد يشتكي حال زوجتيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: سؤالي يا شيخ هو في كيفية التعامل مع الزوجات: حيث أني متزوج بزوجتين: الأولى عندي منها ثلاثة أطفال، وهي الآن حامل، والثانية متزوج منها قبل ما يقارب السبعة أشهر تقريباً، السؤال هو: في يوم - يا شيخ - قالت لي الثانية: إن زوجتك الأولى تقول لي - يعني كنصيحة أخوية فيما تزعم – " إنكِ سوف تندمين لزواجك من " ... " - أنا يعني -، وأنا صابرة عليه منذ زمن؛ وذلك لأجل أولادي "، وقالت الثانية: " إن هناك كلام كثير قالته لي عنك، ولكني أسكتها "، وقلت لها: هل تعلمين أن هذا يعد غيبة؟ ونصحتها وخوفتها بالله. ما العمل في مثل هذه المواقف؟ علماً بأني لم أقصر مع أي منهما، وأحب أن يكونا أختين، وأتعامل معهما على هذا الأساس، وأحاول قدر المستطاع أن أستر على أي كلام يصدر منهما على أي واحدة منهما، وأحاول قدر المستطاع أن أعدل بينهما في المصروف الشخصي، والمبيت، وأي شيء يتعلق بالحياة الزوجية معهما، وأحب أن نذهب ونجيء مع بعضنا البعض كأسرة واحدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يحدث مع الزوج المعدد في بيوت الزوجية بين نسائه أمرٌ طبيعي، وقد جبل الله النساء على الغيرة من الضرائر، ولم يسلم من هذا حتى النساء العظيمات، وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولنذكر في ذلك قصتين من قصصهنَّ – رضي الله عنهن -:
١. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. رواه البخاري (٤٩٢٧) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقالوا - أي: جميع من شرح الحديث -: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعاً (أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه) .
" فتح الباري " (٩ / ٣٢٥) .
٢. عَنْ أَنَسِ بن مالك قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: " هَذِهِ زَيْنَبُ "! فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا فَقَالَ: " اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ "، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَالَ: " أَتَصْنَعِينَ هَذَا؟ ". رواه مسلم (١٤٦٢) .
(اسْتَخَبَتا) : من السَّخَب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها.
قال النووي - رحمه الله -:
وأما مدُّ يده إلى زينب، وقول عائشة " هذه زينب " فقيل: إنه لم يكن عمداً، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة؛ لأنه كان في الليل، وليس في البيوت مصابيح، وقيل: كان مثل هذا برضاهن ....
وفي هذا الحديث: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخلق، وملاطفة الجميع.
" شرح مسلم " (١٠ / ٤٧، ٤٨) .
فهذه بعض أحوال الضرائر، وهؤلاء هن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، والزوج هو النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد التعدد فليكن على باله أنه سيحصل بين نسائه من الغيرة والتنافس الشيء الكثير، وليكن قدوته في معالجة تلك المواقف: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فلن تستقيم حياته معهن.
فيحتاج الأمر – أخي السائل – إلى حكمة، وصبر، وتقدير لحال الضرائر، وما جبلهن الله تعالى عليه من الغيرة.
وقد نقل الإمام الذهبي رحمه الله عن المغيرة بن شعبة قوله: " صاحب الواحدة: إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ".
" سير أعلام النبلاء " (٣ / ٣١) .
ثانياً:
مما هو متوقع أن يصدر من النساء: التقرب إلى الزوج بطعن إحداهن بالأخرى، وبتأليب الزوج عليها، ومما هو متوقع منهن: كذب إحداهن على الأخرى؛ لتظهر أن زوجها يحبها أكثر، أو يسعد في ليلتها أكثر من الأخرى.
عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) . رواه البخاري (٤٩٢١) ومسلم (٢١٣٠) .
وبوَّب البخاري على الحديث بقوله: " المتشبِّع بما لم ينل، وما يُنهى من افتخار الضَّرَّة ".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله (المتشبِّع) أي: المتزين بما ليس عنده، يتكثر بذلك، ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة، فتدَّعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده؛ تريد بذلك غيظ ضرتها ... .
وأما حكم التثنية في قوله (ثوبي زور) : فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يُعطَ، وكذلك شاهد الزور، يظلم نفسه، ويظلم المشهود عليه ...
وأراد بذلك: تنفير المرأة عمَّا ذكرت؛ خوفاً من الفساد بين زوجها وضرتها، ويورث بينهما البغضاء، فيصير كالسحر الذي يفرِّق بين المرء وزوجه.
" فتح الباري " (٩ / ٣١٧، ٣١٨) .
ثالثاً:
ما تنشده – أخي السائل – من رغبتك في الجمع بين زوجتيك، وجعلهما بمثابة الأختين: أمر طيب، وهي لعلها رغبة كل من يتزوج أكثر من واحدة، لكنَّ واقع الضرائر يفرض عليك التعامل معهن على أن بينهما من الغيرة والتنافس عليك ما يجعلك تعالج الأمر وفق هذا الواقع.
ويمكننا نصحك بنصائح نافعة لعلها تساهم في حل مشكلاتك الزوجية، ومن ذلك:
١. لا تصغي لكلام واحدة منهن في الأخرى، واقطع أصل هذا بعدم السماح أصلاً بأن تنقل لك إحداهما ما جرى بينها وبين ضرتها.
٢. إذا حصل بين الزوجتين مشكلة: فالنصيحة لك أن تجمع بينهما في مجلس واحد، وتسمع من الطرفين، وتدلي كل واحدة بحجتها، ومن شأن هذا أن يخفف كثيراً من الكذب، والافتراء، والمبالغة، في حديث كل واحدة عن الأخرى.
٣. لا تظهر لواحدة من الزوجتين سوء الأخرى، ولا تنقل لها ما يجري بينك وبين ضرتها، لا كلام خير؛ لئلا تحسدها، وتغار منها، ولا كلام شرٍّ وسوء؛ لئلا تشمت بها.
٤. احرص على العدل بين الزوجتين في كل ما تستطيع، ولا تقصِّر في هذا الباب، حتى فيما لا تراه واجباً عليك.
قال جابر بن زيد: " كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القُبَل ".
وقال مجاهد: " كانوا يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب: يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه ".
وقال محمد بن سيرين: " إنه يكره للزوج أن يتوضأ في بيت إحدى زوجتيه دون الأخرى ".
واعلم أن من شأن هذا العدل التام أن يقطع كثيراً من المشكلات بين الضرائر.
٥. لا بأس باستعمال الشدَّة في بعض الأمور التي ترى أنه من المناسب وضع حدٍّ لها، فنحن نعترف أن الكمال هو في الرفق، واللين، ولكن قد لا يصادف هذا الرفق واللين من يقدِّره، ومن يؤثر فيه إيجاباً، لذا يجوز للزوج أن يستعمل الشدة – أحياناً – مع نسائه إذا رأى أن ذلك يصلحهن، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الرفق واللين في تعامله مع نسائه: فقد استعمل الشدة أحياناً، كما صحَّ عنه أنه هجر نساءه شهراً كاملاً خارج بيوتهن، ولا شك أن هذا كان شديداً عليهنَّ، وهذه هي " الحكمة " التي ذكرناها في أول الجواب، فليست الحكمة هي اللين والرفق مطلقاً، بل وضع الشيء في مكانه المناسب، وهي استعمال الدواء النافع لكل موقف بما يناسبه، شدةً، أو ليناً.
٦. من الضروري أن تتعاهد نساءك بالوعظ، والتوجيه، والنصح؛ فإنهن أحوج ما يكنَّ لمثل هذا، وما أكثر غفلتهن عن فعل ما يقربهن إلى الله، وترك التنافس على الدنيا وزينتها، وما يحدث منهن من أجل ذلك من الكذب، والغيبة، والنميمة، وإفساد ذات البيْن، فكن على علم بهذا وإدراك، ولا تقصِّر في هذا الباب، وسترى أثر ذلك إن شاء الله سعادة وهناءة في حياتك الزوجية معهما.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه رضاه، وأن يتولاك بعنايته، ورعايته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب