الهداية بيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت) وبين قوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خلق الله الإنسان وزوده بالعقل وأنزل لأجله الوحي وأرسل إليه الرسل ودعاه إلى الحق وحذره من الباطل ثم تركه يختار ما يريد (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف/٢٩.
وقد أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبين الحق للناس كافة ولهم الخيار فيما يرغبون فمن أطاع نفع نفسه ومن عصى ضر نفسه كما قال سبحانه: (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل) يونس/١٠٨.
والإسلام دين الفطرة دين العقل والفكر وقد بين الله الحق من الباطل وأمر بكل خير وحذر من كل شر وأحل الطيبات وحرم الخبائث ولا إكراه في الدين لأن المصلحة أو المفسدة تعود إلى الخلق لا إلى الخالق، قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) البقرة/٢٥٦.
وقال سبحانه (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/٤٦.
والهداية بيد الله ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً , فإنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض , ولا في السماء ولا يجري في ملكه إلاّ ما يريد (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) الأنعام/١٤٩، ولكن حكمته سبحانه , اقتضت أن يخلقنا مختارين وينزل علينا الهدى والفرقان فمن أطاع الله ورسوله دخل الجنة ومن عصى الله ورسوله دخل النار كما قال سبحانه: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ) الأنعام/١٠٤.
وليس للرسول صلى الله عليه وسلم من الهداية شيء وإنما عليه وعلى المسلمين البيان البلاغ والدلالة على الهدي وعدم الإكراه عليه كما قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس/٩٩.
وقال سبحانه (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) العنكبوت/١٨.
والهداية إلى الحق بيد الله وحده وليس لأحد من البشر فيها من نصيب كما قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص/٥٦.
والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وقد أخبرنا سبحانه أنه يهدي من أطاعه , وأقبل عليه كما قال سبحانه: (والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم) محمد/١٧.
ومن عصى الله , وأعرض عنه , فإن الله لا يهديه كما قال سبحانه: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) الزمر/٣.
والله بكل شيء عليم يعلم ما كان , وما يكون , وما سيكون وقد علم الله المؤمنين والكافرين وأعمالهم , ومصيرهم في الآخرة وكتب ذلك كله في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (وكل شيء أحصيناه كتاباً) النبأ/٢٩.
وقد خلق الله الإنسان مختاراً وخلقه صالحاً للعمليتين الإيمان أو الكفر كما قال سبحانه: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) الإنسان/٣.
والإنسان يكون مختاراً في دائرة العقل فقط فإذا فقد العقل الذي يميز به البدائل بين الخير والشر بين الحق والباطل , ارتفع التكليف ولذلك رفع القلم في الشريعة الإسلامية عن المجنون حتى يفيق , وعن الصبي حتى يدرك , وعن النائم حتى يستيقظ فلا تكليف على أحد من هؤلاء حتى يجد العقل الذي يميز به البدائل كالإيمان والكفر والحق والباطل وهكذا.
وحيثما اتجهت النفس كان الثواب والعقاب فإن أطاعت فلها الجنة (قد أفلح من زكاها) الشمس/٩.
وإن عصت فلها النار (وقد خاب من دساها) الشمس/١٠.
والتوجه إلى أحد الطريقين هو محل الحساب عند رب العالمين، وبهذا يتبين أن الإيمان والكفر والطاعة والمعصية باختيار العبد وقد جعل الله الثواب والعقاب على هذا الاختيار: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/٤٦.
فمن أحب الله ورسوله ورغب في السعادة في الدنيا والآخرة فليدخل في الإسلام ومن رغب عن ذلك ورضى بالدنيا عن الآخرة ولم يسلم فمأواه جهنم فالمنفعة للإنسان والمضرة عليه ولا إكراه على أحدهما كما قال سبحانه: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً) الإنسان/٢٩.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.