بيع المرابحة للآمر بالشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا مؤسسة مهمتها تنمية أموال الأيتام مسؤول عنها قاضي القضاة والمحاكم الشرعية وهي تعنى بأموال الأيتام وتنميتها عن طريق تشغيلها بالمشاريع والإقراض، طريقة هذه المؤسسة تقوم على التالي:- أن يقوم الشخص الراغب بشراء أي سلعة (شقة، سيارة، أثاث، أرض) باختيار هذه السلعة، ثم يذهب إلى هذه المؤسسة التي تنتدب أحد موظفيها لمعاينة هذه السلعة، ثمّ تقوم المؤسسة بشراء هذه السلعة، ثم تقوم ببيعها للشخص الذي يرغب بشرائها بطريقة التقسيط والمرابحة (نسبة ربح معينة ٥%) . هل هناك أي شك بالربا في هذه الطريقة في البيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رعاية الأيتام، واستثمار أموالهم وتنميتها بما يعود بالنفع عليهم، عمل صالح نافع، نسأل الله أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء، وهو داخل في كفالة اليتيم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (٥٣٠٤) ومسلم (٢٩٨٣) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (كَافِل الْيَتِيم) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى.
وقد ورد في الاتجار في مال اليتيم ما جاء عن عمر رضي الله: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: " هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر رضى الله عنه ". ويروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف الألباني رحمه الله الحديث مرفوعا وموقوفا.
انظر: "إرواء الغليل" (٣/٢٥٨) .
ثانيا:
الصورة المسئول عنها يسميها العلماء: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وحاصلها: أن الإنسان قد يرغب في سلعة ما، فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف، فيحدد له السلعة المطلوبة، ومواصفاتها، ويعده أن يشتريها منه بعد شراء المؤسسة أو المصرف لها، بربح يتفقان عليه، وهذه المعاملة لا تجوز إلا عند توفر شرطين:
الأول: أن تمتلك المؤسسة هذه السلعة قبل أن تبيعها، فتشتري الشقة أو السيارة لنفسها شراء حقيقيا، قبل أن تبيعها على الراغب والطالب لها.
الثاني: أن تقبض المؤسسة السلعة قبل بيعها على العميل. وقبضُ كل شيء بحسبه، فقبض السيارة مثلا يكون بنقلها من محلها، وقبض الدار بتخليتها واستلام مفاتيحها، وهكذا.
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك:
أن المصرف أو المؤسسة إذا لم تشتر السلعة لنفسها شراء حقيقيا، وإنما اكتفت، بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أنها أقرضت العميل ثمن السلعة (مائة ألف مثلا) على أن تسترده مائة وسبعة آلاف.
وإذا اشترت السلعة لكن باعتها قبل قبضها، كان ذلك مخالفاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (١٥٣٩٩) والنسائي (٤٦١٣) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٣٤٢) .
وأخرج الدارقطني وأبو داود (٣٤٩٩) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (٢١٣٢) ، ومسلم (١٥٢٥) ، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
وقبض كل شيء بحسبه كما سبق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (٨/٣٨١) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (١٣/١٥٣) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها من، طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة، بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار يفيد جواز بيع المرابحة بهذه الصورة.
ومما جاء فيه: "بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه " انتهى من مجلة المجمع (٥/٢/٧٥٣، ٩٦٥) .
وعلى هذا، فإذا كانت المؤسسة المسئول عنها، تشتري السلعة شراءً حقيقياً، ليس صورياً على الأوراق فقط، وتنقلها من مكانها ثم تبيعها، فالبيع صحيح، وهذه المعاملة جائزة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب