غير مسلم ينكر على طالب مسلم عدم استمتاعه معهم بالنوادي الليلية!
[السُّؤَالُ]
ـ[في فصلي طالب مسلم في الجامعة، ولا يأتي أبداً ويجلس معنا، ولا يخرج إلى النادي الليلي، أو للمتعة معنا، سؤالي هو: لماذا الإسلام يعلِّم الناس أن لا يمتعوا أنفسهم، وأن يكونوا تعيسين طول الوقت. لنبتهج!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن فكرة مراسلتك لموقع إسلامي هي فكرة جيدة بحد ذاتها، وهي تدل أنك على الطريق الصحيح للاستفسار عما تريد، وقد أحسنتَ صنعاً بذلك، ونحن أُمرنا أن نقول للمحسن أحسنتَ، وأن نثني على تصرفه إن كان صحيحاً.
ونحن بدورنا يسعدنا أن نرد على تساؤلاتك واستفساراتك ليس في هذا الموضوع فحسب، بل بكل ما ترغب أن تعرفه عن هذا الدين، أو كل ما تراه مناسباً أن يكون عندك به علم ومعرفة.
ونطلب منك أن تُعيرنا انتباهك، فمؤكد أنك لم تسأل لأجل التسلية، ولا لأجل النيل من أحكام الدين الإسلامي، وظننا بك أنك لم تسأل إلا من أجل زيادة المعرفة.
ويسرنا أن يكون جوابنا في نقاط محددة مركَّزة، ونظن أنك أهلٌ لأن تفهم عنَّا ما نقوله.
١. ما رأيك لو جاءت امرأة لتعزيتك في وفاة قريب لك وهي تلبس " ملابس السباحة "؟! هل كنتَ تقبل منها هذا؟ نظن أن الجواب: لا، غير مقبول؛ لأن المناسبة تقتضي من المعزي لباساً يليق بالمناسبة، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حرية هذا المعزِّي بلباسه ففرض عليه لباساً ومنعه من آخر؟ إنه العادة، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في تصرفاته في كل حال، بل العادة تمنعه أحياناً من أشياء وتحد حريته.
وما رأيك لو أن شخصاً كان يأكل معك على طاولة واحدة، وفي أثناء تناولكما للطعام " تجشأ "؟! هل كنتَ تقبل منه ذلك؟! نظن أن الجواب: لا، غير مقبول منه هذا التصرف؛ لأن هذا الفعل منافٍ لآداب الطعام، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حرية ذلك الشخص ومنعه من هذا الفعل أثناء الطعام؟ إنه الذوق والأدب، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في أن يفعل ما يشاء أثناء تناول الطعام مع الآخرين، كالجشاء، ووضع الإصبع في الأنف، وما يشبه ذلك؛ لأن الذوق السليم يفرض عليه أشياء، ويمنعه من أخرى.
وما رأيك لو أن سائقاً يقود سيارته عكس اتجاه السير، أو يقف في مكان يُمنع الوقوف فيه؟ هل كنتَ تقبل منه ذلك؟ نظن أن الجواب: لا، غير مقبول منه هذه التصرفات؛ لأن فعله هذا مرفوض ومستنكر؛ لأن حق السير في الطريق ليس على هواه، وليست الأماكن كلها تصلح لأن يوقف سيارته فيها، أليس كذلك؟ والسؤال: ما الذي قيَّد حريَّة ذلك السائق فمنعه من السير عكس اتجاه السير، ومنعه من الوقوف في هذا المكان؟ إنه القانون، أليس كذلك؟ فالمرء إذاً ليس حرّاً في تصرفاته حتى يقود سيارته على هواه، أو يوقفها حيث شاء؛ لأن القانون يفرض عليه السير باتجاه معيَّن، ويمنعه من الوقوف في أماكن مخصوصة.
إذاً أيها السائل أنت ترى أن " العادة " و " الذوق " و " القانون " لهم من السلطة على الناس بحيث امتنعوا عن فعل أشياء، وأُلزموا بأخرى من أجلها، فلم الاستغراب من أن يكون " الله تعالى " أو " الدين " له السلطة على الناس، فنرى ما يمنعنا منه ربنا تعالى ويحرمه عليه ديننا فنمتنع عنه ونحرمه على أنفسنا؟ هذا هو الواقع باختصار، والظن بك أنك ستقدِّر أن منع الرب تعالى وتحريم الدين أولى من كل ما ذكرناه بالاستجابة له، والكف عنه؛ لأنه الخالق تعالى الذي رضينا لأنفسنا أن نكون عبيداً له، ورضينا به ربّاً مشرعاً وحاكماً.
وما فعله الطالب المسلم من عدم ذهابه للنادي الليلي، وعدم شربه للمسكر: إنما فعل ذلك من أجل أن الله تعالى حرَّم عليه ذلك.
٢. ثم إنك تنكر على ذلك الطالب المسلم عدم ذهابه للنادي الليلي، وعدم استمتاعه معكم، ونحن نسألك: هل لهذه المتعة حدود أم هي مطلقة لا حدَّ لها؟ ولنكن صرحاء معك أكثر، هل ترضى أن تكون عشيقتك من الطالبات هي عشيقة لغيرك من الطلاب أو المدرسين؟! وهل ترضى أن يستمتع بها غيرك كما تستمتع بها أنت؟ إننا على علم بكثرة جرائم القتل التي تحصل في الثانويات والمعاهد جراء مثل هذه الأفعال، ولست بحاجة لأن تجيبنا؛ لأننا رأينا وسمعنا وقرأنا عن حوادث شجار وصل كثير منها إلى القتل، وكل ذلك بسبب التنافس على قلب طالبة، أليس كذلك؟ فأين المتعة الذي تنادي بها إذاً؟ ولم تحرمونها على الطلاب أو المدرسين الذين يرغبون بالاستمتاع بالطالبة نفسها، وقد تكون هذه هي رغبتها أصلاً؟ .
وإذا خالفتَ الفطرة، والواقع الذي تعيشه، ورضيتَ بأن يستمتع معك طلاب آخرون بطالبة واحدة تعشقها وتعلق قلبك بها: فهل ترضى الأمر نفسه أن يحصل مع زوجتك؟! ونأمل أن لا تغضب لهذا السؤال، فإنما أردنا أن نبين لك أن هناك تناقضاً في واقع مجتمعاتكم حيث تدعون للمتعة، ثم تقيدونها بأشياء تتعلق بنفوسكم وأهوائكم، وإذا امتنع عنها المسلم بسبب دينه كان محط سخرية وانتقاد، ثم إن هذا السؤال له أصل في ديننا! أتعرف كيف ذاك؟ جاء شاب عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستأذنه في " الزنى "! نعم، يستأذنه في أن يزني ببنات الناس ونسائهم، أتدري ماذا قال له نبينا صلى الله عليه وسلم؟ قال له: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟ وفي كل مرة كان الشاب جيب بالنفي، وأنه لا يرضى أن يزني أحد بأمه، أو بأخته، أو بابنته، وفي كل مرَّة كان يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك الناس لا يرضون لأمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، فدعا له النبي صلى الله وسلم، وخرج من عنده والزنى أبغض الأفعال إلى قلبه.
وأنت تدعو هذا المسلم ليستمتع، ونحن سألنا سؤالا منطقيا أترضى أن يستمتع بعشيقتك التي تحبها؟ أترضى أن يستمتع بزوجتك؟ أترضى أن يستمتع بابنتك؟ نحن نعتقد جازمين أن ما يحصل من حوادث قتل لزوجات خائنات إنما هو بسبب الفطرة التي خلق الله الناس عليها، والتي يأبى أصحابها ذلك وينكرونه أشد الإنكار، ولو أدى به الأمر لقتلها، أو لقتلها وعشيقها، حتى لو كان نهاية الأمر سجن مؤبد، أو إعدام، والعشيقة الخائنة ليست كالزوجة الخائنة قطعاً، ولكن حتى العشاق لا يرضون أن تكون عشيقاتهم مشاعاً للناس جميعاً.
٣. ثم إن الإسلام جاء بأحكام غاية في الإحكام والإتقان، وهي تصب في مصلحة الفرد، والمجتمع، والدولة، وعندما حرَّم الإسلام العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج إنما أراد أن تكون المجتمعات نظيفة في قلوبها، وأبدانها، ويكفي أن تعلم النسبة المهولة للأمراض الجنسية التي سببتها العلاقات الآثمة، والشاذة، والتي ينبغي أن لا يُختلف في تحريمها بين الأديان، فكم هم ضحايا " الإيدز "؟ وكم عدد الإصابات؟ وكيف يعيش من لم يمت منهم؟ إنها حياة مأساوية، وميتة بشعة شنيعة يرضاها لنفسه من يدفع حياته من أجل متعة دقائق! والإسلام جاء بما يحفظ على المسلم دينه، وقلبه، وبدنه، فامتنع المسلم عن فعل الحرام، ورضي بما حكم الله تعالى له به، وهو الخبير سبحانه بما يصلح الناس.
٤. واعلم أيها السائل أن الدنيا ليس فيها ما يُتحسر على فواته، وأن هذه الدنيا بالنسبة للمسلم سجنٌ! وجنته ومتعته الحقيقية إنما هي في الآخرة، وأما الكافر فجنته في الدنيا فقط، يلتذ ويستمتع ثم يصير مآله إلى هوان وخسارة.
وقد قال لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) رواه مسلم (٢٩٥٦) .
وقد فسَّرها علماؤنا بقولهم:
معناه: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلَّف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات: استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعدَّ الله تعالى له من النعيم الدائم، والراحة الخالصة من النقصان.
وأما الكافر: فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا، مع قلته، وتكديره بالمنغصات، فإذا مات: صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد.
" شرح النووي " (١٨ / ٩٣) .
فنرجو منك التأمل في هذه المسألة حق التأمل، ونرجو أن تكون مفتاحاً لقلبك لتصل إلى الحق.
٥. ومن قال لك إن الإسلام ليس فيه متعة؟! إننا نستمتع، لكن بما أباح الله تعالى لنا، بل إننا نستمتع أضعاف ما تستمتعون – وتظنون أنها متعة -؛ لأن الشيء المحرَّم ليس فيه متعة، وإنما المتعة الحقيقية هي المباحات، والمعصية تعقبها حسرة، ولن يكون صاحبها في سعادة وهناء، وانظر حولك لترى صدق هذا القول.
وإذا كنتم تستمتعون بزوجة واحدة: فنحن أبيح لنا الاستمتاع بأربع زوجات! فما بال قومك ينكرون علينا الليل والنهار ويسيئون لديننا لأنه حكم لنا بهذا الاستمتاع؟
وإننا نستمتع بالحياة مع أبنائنا وبناتنا، ولذلك ترى الأسرة المسلمة تنجب أعداداً وفيرة من الأولاد، فما هو حال استمتاعكم في هذا الجانب؟
وإننا نستمتع بحب أمهاتنا وآبائنا، فهل تعلم حقيقة العلاقة بين الواحد منكم وبين أمه وأبيه؟
ونحن نستمتع بالطعام اللذيذ المباح، ونستمتع بالشراب المباح اللذيذ، وهكذا في أبواب كثيرة، والمهم في ذلك أن يكون الله تعالى أباحها لنا وأذن لنا في الاستمتاع بها.
ويكفينا أن نكون سعداء، ومستمتعين بما هدانا الله تعالى له، وهو أننا نسير على الطريق الصحيح الذي يرضى الله تعالى عنّا به، والذي سار عليه الأنبياء الكرام من قبلُ، وهذه السعادة حرمها الملايين من الناس، والذين رضوا لأنفسهم أن يعبدوا حجراً، أو صنماً، أو بشراً مثلهم، وقد أخبرنا الله تعالى أن هؤلاء لن تكون حياتهم هنيئة، ولن تكون صدورهم منشرحة؛ لأنهم تركوا توحيد الرب الذي خلقهم، وأشركوا معه آلهة أخرى، فعاقبهم الله في الدنيا بضيق الصدر، ثم سيعاقبهم بضيق القبر، ثم بضيق الحشر، ثم يكون مصيرهم جهنم خالدين فيها أبداً.
وإذا أردت أن تعرف صدق هذا القول فاقرأ قصص من دخل في الإسلام من بني قومك، أو من غيرهم، وانظر إلى التحول العظيم في حياتهم، وانظر إلى السعادة البالغة التي هم عليها الآن، هذا هو الاستمتاع الذي ينبغي أن تحرص عليه، وكما دعوتنا لنبتهج ونستمتع فإننا ندعوك بصدق إلى أن تستمتع أنت معنا، وتسلك طريق السعداء، وتتذوق السعادة الحقيقية التي تنام معك، وتستيقظ معك، لا تفارقك، حتى لو دخلت قبرك، إلى أن يدخلك ربك دار السعداء، وهي جنته التي عرضها السموات والأرض.
سائلين الله تعالى ربنا أن يهديك لمعرفة الحق، وأن لا يميتك إلا على الدين الذي ختم به الرسالات.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب