للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذين يظلهم الله في ظله

[السُّؤَالُ]

ـ[من هم الذين يظلهم في ظله عندما تقترب الشمس من الأرض يوم القيامة؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

جاء ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله في أحاديث صحيحة ثابتة،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " متفق عليه، رواه البخاري (٢/١٤٤-١٧٤) ومسلم برقم ١٧١٢، وغيرهما.

وهذا مما يمن الله به على عباده المؤمنين، ففي ذلك اليوم العظيم يكون الناس في كرب وشدة، وتدنو الشمس من الخلائق على قدر ميل، ويعرق الناس كلٌ على حسب عمله، إلا بعض المؤمنين الذين يختصهم الله فيظلهم تحت ظله، ويقيهم من الشمس والعرق.

عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ الْأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَجُزَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُه ُ.. " رواه الإمام أحمد في مسنده برقم ١٦٧٩٨.

ونورد فيما يلي شرح ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث:

" قَوْله: (فِي ظِلّه) إِضَافَة الظِّلّ إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف , وَكُلّ ظِلّ فَهُوَ مِلْكُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِظِلِّهِ: كَرَامَته وَحِمَايَته، كَمَا يُقَال: فُلانٌ فِي ظِلّ الْمَلِكِ. وَقِيلَ: الْمُرَاد ظِلّ عَرْشه وهو أرجح.

قَوْله: (الإِمَام الْعَادِل) الْمُرَاد بِهِ: صَاحِب الْوِلَايَة الْعُظْمَى , وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُور الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ.

وَأَحْسَن مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِل: أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْر اللَّه بِوَضْعِ كُلّ شَيْء فِي مَوْضِعه مِنْ غَيْر إِفْرَاط وَلا تَفْرِيط. وَقَدَّمَهُ - الإمام العادل - فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْع بِهِ.

قَوْله: (وَشَابّ) : خَصَّ الشَّابّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ; فَإِنَّ مُلَازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى.

قَوْله: (فِي عِبَادَة رَبّه) : َفِي حَدِيث سَلْمَانَ " أَفْنَى شَبَابه وَنَشَاطه فِي عِبَادَة اللَّه ".

قَوْله: (مُعَلَّق فِي الْمَسَاجِد) : وَظَاهِره أَنَّهُ مِنْ التَّعْلِيق؛ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّق فِي الْمَسْجِد - كَالْقِنْدِيلِ مَثَلا - إِشَارَةً إِلَى طُول الْمُلازَمَة بِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ جَسَده خَارِجًا عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مِنْ الْعَلَاقَة وَهِيَ شِدَّة الْحُبّ.

قَوْله: (تَحَابَّا) : بِتَشْدِيدِ الْبَاء، أَيْ: اِشْتَرَكَا فِي جِنْس الْمَحَبَّة وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرُ حَقِيقَةً لا إِظْهَارًا فَقَطْ.

قَوْله: (اِجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) : الْمُرَاد أَنَّهُمَا دَامَا عَلَى الْمَحَبَّة الدِّينِيَّة وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ، سَوَاء اِجْتَمَعَا حَقِيقَةً أَمْ لا، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْت.

قَوْله: (وَرَجُل طَلَبَتْهُ ذَاتُ مَنْصِب) : الْمُرَاد بِالْمَنْصِبِ الأَصْل أَوْ الشَّرَف , وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الأَصْل وَعَلَى الْمَال أَيْضًا , وَقَدْ وَصَفَهَا بِأَكْمَلِ الأَوْصَاف الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة بِمَزِيدِ الرَّغْبَة لِمَنْ تَحْصُلُ فِيهِ وَهُوَ الْمَنْصِب الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ الْجَاه وَالْمَال مَعَ الْجَمَال وَقَلَّ مَنْ يَجْتَمِع ذَلِكَ فِيهَا مِنْ النِّسَاء , وَالظَّاهِر أَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى الْفَاحِشَة.

قَوْله: (فَقَالَ إِنِّي أَخَاف اللَّه) : الظَّاهِر أَنَّهُ يَقُول ذَِكَ بِلِسَانِهِ؛ إِمَّا لِيَزْجُرَهَا عَنْ الْفَاحِشَة، أَوْ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَهُ بِقَلْبِهِ.

قَوْله: (حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِق يَمِينُهُ) : الْمَعْنَى الْمَقْصُود مِنْ هَذَا الْمَوْضِع إِنَّمَا هُوَ إِخْفَاء الصَّدَقَة. ثم الْمُبَالَغَة فِي إِخْفَاء الصَّدَقَة، بِحَيْثُ إنَّ شِمَاله مَعَ قُرْبِهَا مِنْ يَمِينه وَتَلازُمِهِمَا لَوْ تَصَوَّرَ أَنَّهَا تَعْلَم لَمَا عَلِمَتْ مَا فَعَلَتْ الْيَمِين لِشِدَّةِ إِخْفَائِهَا , فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ مَجَاز التَّشْبِيه.

قَوْله: (ذَكَرَ اللَّه) أَيْ بِقَلْبِهِ، أَوْ بِلِسَانِهِ.

(خَالِيًا) : مِنْ الْخُلُوّ، لأَنَّهُ يَكُون حِينَئِذٍ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاء، وَالْمُرَاد خَالِيًا مِنْ الالْتِفَات إِلَى غَيْر اللَّه.

قَوْله: (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) : أَيْ فَاضَتْ الدُّمُوع مِنْ عَيْنَيْهِ , وَأُسْنِدَ الْفَيْضُ إِلَى الْعَيْن مُبَالَغَةً كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاضَتْ.

وذِكْر الرِّجَال فِي هَذَا الْحَدِيث لا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ يَشْتَرِك النِّسَاء مَعَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ. إِلا إِنْ كَانَ الْمُرَاد بِالإِمَامِ الْعَادِل الإِمَامَة الْعُظْمَى , وَإِلا فَيُمْكِنُ دُخُول الْمَرْأَة حَيْثُ تَكُون ذَاتَ عِيَالٍ فَتَعْدِلُ فِيهِمْ. وَتَخْرُج خَصْلَة مُلازَمَة الْمَسْجِد لأَنَّ صَلاة الْمَرْأَة فِي بَيْتِهَا أَفْضَل مِنْ الْمَسْجِد , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَة حَاصِلَةٌ لَهُنَّ , حَتَّى الرَّجُل الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يُتَصَوَّر فِي اِمْرَأَة دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيل مَثَلا فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنْ اللَّه تَعَالَى مَعَ حَاجَتهَا " فتح الباري (٢/١٤٤) .

وهناك آخرون يظلّهم الله في ظلّه - غير السبعة المذكورين في الحديث السابق - جاء ذكرهم في أحاديث أخرى، نظمهم ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري (٦٢٠) ، وهم: " إِظْلال الْغَازِي , وعَوْن الْمُجَاهِد , وإِنْظَار الْمُعْسِر وَالْوَضِيعَة عَنْهُ وَتَخْفِيف حِمْلِهِ، وَإِرْفَادَ ذِي غُرْم، وَعَوْن الْمَكَاتِب , وتَحْسِين الْخُلُق، والمَشْي إلى المساجد، والتَّاجِر الصَّدُوق، وَآخِذ حَقّ، والبَاذِل، والكَافِل ".

نسأل الله أن يظلنا تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله.

[الْمَصْدَرُ]

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>