هل كشف المرأة وجهها في الصلاة يدل على أنه ليس عورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الإسلام لا يكشف عورة في الصلاة، فإذا كانت المرأة تصلي وهي كاشفة وجهها، فهذا يدل على أن النقاب ليس واجباً، وأن وجه المرأة ليس عورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح الاستدلال بكشف المرأة وجهها في الصلاة على أن الوجه ليس عورة، وبيان ذلك:
أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية أن المصلي مأمور بستر عورته، ويكشف ما سواها، فلا يصح أن يقال: ما أُمر المصلي بستره فهو عورة، وما أبيح له كشفه فليس عورة.
بل الأمر الوارد في القرآن الكريم في ذلك، ورد بالتزين والتجمل للصلاة، فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/٣٠.
وأخذ الزينة يختلف عن ستر العورة، ولذلك: قد يؤمر المصلي بستر ما ليس عورة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يصلي وليس على عاتقيه شيء من الثياب، مع أن عاتق الرجل ـ وهو الكتف ـ ليس عورة باتفاق العلماء.
ورأس المرأة وشعرها ليس عورة عند زوجها ومحارمها كالأب والأخ، ومع ذلك، فلا يجوز لها أن تصلي أمام زوجها أو محارمها وهي مكشوفة الرأس، بل ليس لها أن تصلي مكشوفة الرأس ولو كانت بمفردها لا يراها أحد.
فعُلم من هذا: أن الاستدلال بصلاة المرأة مكشوفة الوجه على أن الوجه ليس عورة، غير صحيح؛ لأن للصلاة أحكاماً خاصة، تختلف عن أحكام ستر العورة خارج الصلاة.
وقد بَيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:
" المرأة لو صلَّت وحدها: كانت مأمورة بالاختمار، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها، فأخذ الزينة في الصلاة لحقِّ الله، فليس لأحدٍ أن يطوف بالبيت عرياناً ولو كان وحده بالليل، ولا يصلي عرياناً ولو كان وحده، فعُلم أن أخذ الزينة في الصلاة: لم يكن ليحتجب عن الناس، فهذا نوع، وهذا نوع، وحينئذ فقد يستر المصلِّي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال، فالأول: مثل المنكبين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فهذا لحقِّ الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة، كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، وهي لا تختمر عند زوجها، ولا عند ذوي محارمها، فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء، ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء، ولا لغيرهم.
وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، وأما ستر ذلك في الصلاة: فلا يجب باتفاق المسلمين، بل يجوز لها إبداؤهما [الوجه والكفان] في الصلاة عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهما، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة....
وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذٍ فتصلي في بيتها، وإن رئي وجهها، ويداها، وقدماها، كما كن يمشين أولاً قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر.
وقول الفقهاء في الصلاة: " باب ستر العورة " ليس هذا من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في الكتاب والسنَّة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عرياناً) فالصلاة أولى، وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: (أو لكلكم ثوبان؟) .
وقال في الثوب الواحد: (إن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) ، (ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء) ، فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ، وغيره، وإن جوَّزنا للرجل النظر إلى ذلك، فإذا قلنا على أحد القولين - وهو إحدى الروايتين عن أحمد -: إن العورة السوأتان، وإن الفخذ ليست بعورة: فهذا في جواز نظر الرجل إليها، ليس هو في الصلاة، والطواف، فلا يجوز أن يصلي الرجلُ مكشوفَ الفخذين، سواء قيل هما عورة، أو لا، ولا يطوف عرياناً، بل عليه أن يصلي في ثوبٍ واحدٍ ولا بد من ذلك، إن كان ضيقاً: اتزر به، وإن كان واسعاً: التحف به؛ كما أنه لو صلَّى وحده في بيت: كان عليه تغطية ذلك، باتفاق العلماء، وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار: فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ومن بنى ذلك على الروايتين في العورة - كما فعله طائفة -: فقد غلطوا، ولم يقل أحمد، ولا غيره: إن المصلي يصلي على هذه الحال، كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين، فكيف يبيح له كشف الفخذ؟!
وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خالياً، ولم يُختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس، لا تجوز الصلاة عرياناً مع قدرته على اللباس، باتفاق العلماء " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (٢٢ / ١١٣ - ١١٧) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"العورة عورتان: عورة النظر، وعورة في الصلاة، فالحرَّة لها أن تصلِّي مكشوفة الوجه، والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق، ومجامع الناس كذلك " انتهى.
" إعلام الموقعين " (٢ / ٨٠) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب