سؤال المرأة عن دين من تقدم لخطبتها ليس تعقيداً
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة ولله الحمد، عمري ٢٥ سنة، المشكلة هي أنني كلما تقدم لي أحد أطلب من أمي أن تسأل أهله بعض الأسئلة مثل هل يصلي؟ هل يدخن؟ هل هو ممن يهتم لأمور الغناء والتلفاز؟ لأن الذين تقدموا لي لم يكونوا ملتزمين، وأمي تقول لي: " أنتِ معقدة "، فهي خائفة عليَّ أن يفتني الزواج بسبب شروطي.
هل أنا مخطئة؟ وبماذا تنصحني؟ أخاف أنني أحلم برجل صالح في زمن لا يتوفر فيه والله أعلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لستِ مخطئة ولا معقدة، بل قد أحسنتِ في سؤالكِ واستفساركِ عن دين وخلُق الخاطب، وهذا هو الواجب – أصلاً – على أهلكِ أن يفعلوه، فلا يحل لهم أن يقفوا ضد هذا الفعل منكِ، بل عليهم تأييدك وتثبيتكِ عليه.
وقد أوصى الشرع بحسن اختيار الزوج والزوجة، والقاسم المشترك في الاختيار هو الخلق والدين، والمرأة أضعف من أن تثبت على دينها مع قليل الخلق والدين.
لذا فإن الوصية لأهلك في هذا أن يقفوا معكِ في هذا الأمر، واستعيني بالصبر والصلاة والدعاء، ونسأل الله تعالى أن ييسر لكِ زوجاً صالحاً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها.
فأجاب:
" أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلُق والدين، أمَّا المال والنسب فهذا أمرٌ ثانوي، لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلُق؛ لأنَّ صاحب الدِّين والخلُق لا تَفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكهَا أمسكها بمعروف، وإن سرَّحهَا سرَّحها بإحسان، ثمَّ إنَّ صاحب الدِّين والخلُق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها، تتعلم منه الأخلاق والدين، أمَّا إن كان غير ذلك: فعليها أن تبتعد عنه لاسيما بعض الذين يتهاونون بأداء الصلاة، أو مَن عُرف بشرب الخمر - والعياذ بالله -، أمَّا الذين لا يصلُّون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات، ولاهم يحلون لهن، والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين، أما النسب فإن حصل فهذا أولى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخلُقه فأنكحوه) ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل " انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (٢/٧٠٢) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أيضاً: عن رجل خطب من رجل ابنته، ولما سأل عنه إذا هو لا يصلي، وأجاب المسئول عنه بقوله: يهديه الله، فهل يزوج هذا؟
فأجاب:
" أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي مع الجماعة: فهذا فاسق عاص لله ورسوله، مخالف لما أجمع المسلمون عليه من كون الصلاة جماعة من أفضل العبادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (٢٣/٢٢٢) : " اتفق العلماء على أنها – أي: صلاة الجماعة – من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم شعائر الإسلام " انتهى كلامه رحمه الله تعالى، ولكن هذا الفسق لا يخرجه من الإسلام فيجوز أن يتزوج بمسلمة لكن غيره من ذوي الاستقامة على الدين والأخلاق أولى منه، وإن كانوا أقل مالاً وحسباً كما جاء في الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ثلاث مرات، أخرجه الترمذي، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
ففي هذين الحديثين دليل على أنه ينبغي أن يكون أولى الأغراض بالعناية والاهتمام الدين والخلق من الرجل والمرأة، واللائق بالولي الذي يخاف الله تعالى ويرعى مسؤوليته أن يهتم ويعتني بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، وقال: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) ، أما إذا كان الخاطب لا يصلِّي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهذا كافر خارج عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب وصلى تاب الله عليه إذا كانت توبته نصوحاً خالصةً لله، وإلا قتل كافراً مرتداً، ودفن في غير مقابر المسلمين من غير تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، والدليل على كفره نصوص من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... – وساق أدلة كفر تارك الصلاة – ثم قال:
وحيث تبيَّن من نصوص الكتاب والسنة أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن ملة الإسلام فإنه لا يحل أن يزوج بمسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ، وقال تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وأجمع المسلمون على ما دلَّت عليه هاتان الآيتان من تحريم المسلمة على الكافر، وعلى هذا فإذا زوَّج الرجل من له ولاية عليها بنته أو غيرها رجلاً لا يصلي لم يصح تزويجه، ولم تحل له المرأة بهذا العقد؛ لأنه عقد ليس عليه أمر الله تعالى ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
وإذا كان النكاح ينفسخ إذا ترك الزوج الصلاة إلا أن يتوب ويعود إلى الإسلام بفعل الصلاة فما بالك بمن يقدم على تزويجه من جديد؟!
وخلاصة الجواب: أن هذا الخاطب الذي لا يصلي إن كان لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق لا يكفر بذلك ويجوز تزويجه في هذه الحال، لكن ذوي الدين والخلق أولى منه،
وإن كان لا يصلي أبداً لا مع الجماعة ولا وحده فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام لا يجوز أن يزوج مسلمة بأي حال من الأحوال إلا أن يتوب توبة صادقة ويصلي ويستقيم على دين الإسلام.
وأما ما ذكره السائل من أن والد المخطوبة سأل عنه فقال المسؤول عنه: يهديه الله. فإن المستقبل علمه عند الله تعالى وتدبيره بيده، ولسنا مخاطبين إلا بما نعلمه في الحال الحاضرة، وحال الخاطب الحاضرة حال كفر لا يجوز أن يزوج بمسلمة، فنرجو الله تعالى له الهداية والرجوع إلى الإسلام حتى يتمكن من الزواج بنساء المسلمين وما ذلك على الله بعزيز.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٢/السؤال رقم ٣١) .
والخلاصة: أن عليك أن تصبري حتى ييسر الله لك زوجاً صالحاً، وما تفعلينه من السؤال والاستفسار عن خلُق ودِين الخاطب أمر مشروع بل واجب عليك وعلى أوليائكِ، وأن الخاطب إن كان لا يصلي فالعقد غير صحيح؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، وشرب الدخان وحلق اللحية واستماع الغناء كل ذلك من المحرمات، وهي أسباب شرعيَّة لرفض الخاطب إن كان يفعلها ويتصف بها.
نسأل الله لك التوفيق، ونسأله أن يثبتكِ على طاعته، ويرزقك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب