اشترط المتبرع بالوقف شرطاً محرماً فهل نوفي به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش الآن في أوروبا وأنوي العودة لبلدي المغرب حال انتهائي من الدراسة، نمتلك بيتاً هناك وهو لوالدي، والدي مريض جدّاً بالسرطان ويشعر بأن نهايته اقتربت ويريد أن يتصدق صدقة جارية.
كانت عائلتي على مذهب الصوفية ولازال بعضهم كذلك، يظن والدي بأنه يُحسن إذا سمح للناس بأن يقوموا بالذكر في بيتنا على الطريقة الصوفيَّة، ويريدني أن أعده بأنني سوف أواصل على هذا بعد مماته.
كيف أقنع والدي بأن هذه التصرفات بدعة؟ إذا لم يقتنع فهل يجوز لي أن أخلف وعدي له بمنعي أولئك الناس من الحضور للبيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الصدقة الجارية هي من الباقيات الصالحات بعد وفاة صاحبها، ويجري له أجرها وهو في عالم الموت، ولذلك رغَّب الشرع بها، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
رواه مسلم (١٦٣١) .
لكن مما يؤسف له أن لا يوفَّق الإنسان لاختيار الصدقة الشرعية التي يجري له أجرها بعد موته، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من بناء الروابط والزوايا التي يقام فيه ذِكرٌ على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه ما يصادم الشريعة ويضاد التوحيد من نحو الكلمات التي فيها ادعاء علم الغيب للأولياء وأنهم يتحكمون في الكون وأن الأنبياء – عليهم السلام – لهم تبع لهؤلاء الأولياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وبالجملة: لا خلاف بين العلماء أن مَن وقف على صلاةٍ أو صيام أو قراءةٍ أو جهادٍ غير شرعي ونحو ذلك: لم يصحَّ وقفُه، بل هو يُنهى عن ذلك العمل وعن البذل فيه.
" مجموع الفتاوى " (٣١ / ٣٧) .
وقال ابن القيم:
الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة لله ورسوله، فلا يصح الوقف على مشهدٍ ولا قبرٍ يسرج عليه ويُعظّم ويُنذر له ويُحج إليه ويُعبد من دون الله ويُتخذ وثناً من دونه، وهذا مما لا يُخالِف فيه أحدٌ من أئمَّة الإسلام ومن اتبع سبيلهم.
" زاد المعاد " (٣ / ٥٠٧) .
وأما طريقة الإقناع فترجع لحال الوالد ومدى قناعته بالتصوف ومقدار استيعابه لما يُقال له من العلم والأدلة، وننصح الأخت السائلة أن تُراعي هذا كله حين الكلام مع والدها، وأن تتلطف قدر المستطاع معه، وأن تبحث عن قريب منه عنده علم بالسنَّة يمكنه إقناعه بترك الوقف البدعي والوصية به.
فإن استنفذت الإمكانات جميعها في إقناع والدها في ترك الوصية والوقف البدعي هذا: فإنه يجوز لها أن تظهر موافقتها على شرطه ولا يلزمها أن توفي به - بل يجب عليها أن تمنع من إقامة هذه البدعة في بيتها بعد وفاة والدها، وقبله إن استطاعت – لأن من اشترط شرطاً محرماً فإنه لا يجوز الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( ... ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق....)
رواه البخاري (٢٥٧٩) ومسلم (١٥٠٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب