مشكلة " فقد الثقة في الآخرين "، أسبابها، وطرق علاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أدرس الشريعة، لكن مع تعاملي مع الناس تعقدتُ من الحياة، وطريقة تعاملهم، ولا أجد الأسلوب للتعامل معهم، ولا أجد أحداً أثق فيه، بصراحة أشعر أن هذه الحياة خالية من الناس الصالحة، وهذه مشكلة في اختيار الزوج الصالح، وأخاف كثيراً، ولا أعرف ماذا أفعل؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يعاني كثير من الناس من أزمة في " الثقة بالآخرين "، فمستقل، ومستكثر، ويرجع ذلك إلى أسباب تختلف من شخص لآخر، ومن أبرز تلك الأسباب: مقابلة كثيرين الإحسان بالإساءة! والمعاملة السيئة التي قد يكون تعرض لها من أهله أو أقربائه أو القريبين منه، فينشأ عند الإنسان صراع في داخله، يؤدي به إلى فقدان الثقة بالآخرين، إما على العموم، أو بالأقارب والأهل، أو بالأصدقاء.
ثانياً:
ليس من مشكلة إلا ولها حل، وليس من داء إلا وله دواء، وبما أن الأخت السائلة تدرس " الشريعة " فلن يكون حل مشكلتها عليها عسيراً، كما أننا لن نشق على أنفسنا لنوصل رسالتنا لها لتعالج نفسها من ذلك الداء الخطير، والذي يسبب ضيقاً، وحرجاً، وعنتاً، حتى تكون الحياة معه في غاية الصعوبة؛ لاضطرار المرء من التعامل مع الآخرين، فهو لا يستطيع أن يعيش وحده، حتى يكون له أهل، وأصدقاء، وجيران، فإذا لم يُحسن التعامل مع تلك المشكلة: سبَّب له ذلك آلاماً، وحطَّم له آمالاً.
ثالثاً:
هذه وقفات يسيرة معكِ أختنا السائلة، نرجو أن تجد منكِ آذاناً صاغية:
١. مراسلتكِ لنا تدل على أنكِ لم تفقدي الثقة في جميع الناس، وإلا فكيف تطلبين النصح ممن لا تثقين بهم؟! وهذا يسهِّل علينا مهمة النصح والإرشاد.
٢. أنتِ تعلمين أنه يوجد من هو مثلك فاقد للثقة في الآخرين، فهل تعلمين أنكِ من الآخرين عند هؤلاء؟! وبما أنك لا تقبلين هذا الحكم الجائر من غيركِ عليكِ: فإن الناس لا يقبلون ـ منك ـ سحب الثقة منهم، وجعلهم محط اتهامكِ بإضمار الشر، وعدم محبتهم للخير لكِ.
٣. اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الناس فيهم المسلم والكافر، وفيهم العاصي والطائع، وفيهم العاقل والمجنون، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم من هو من أهل الشر، ومن هو من أهل الخير، وهذا هو واقع الناس، ولا يمكن لأحدٍ أن يجادل فيه.
٤. حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من تعميم الحكم بفساد الناس، وهلاكهم، وأخبر أن صاحب الحكم الجائر هذا هو أولى بالحكم من الناس، أو أنه هو الذي أهلكهم، لا أنهم هالكون في حقيقة الحال.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ: فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا أَدْرِى (أَهْلَكَهُمْ) بِالنَّصْبِ، أَوْ (أَهْلَكُهُمْ) بِالرَّفْعِ.
رواه مسلم (٢٦٢٣) .
وهذه النظرة التشاؤمية للناس مفسدة للقلب، والعقل، وتجعل صاحبها حبيس الأوهام والخيالات، تنكد عليه معيشته، وتجعله دائم القلق، والأحزان.
٥. ومع ما ذكرناه سابقاً فإنه لا مانع من الاحتراس من الناس، وما قلناه لا يعني وضع الثقة في كل أحدٍ، والإنسان ليس له إلا ما ظهر من الناس، فلا هو بالذي يعلم بواطن الناس، ولا هم يعلمون باطنه.
٦. إن من المزالق الخطرة على من يعيش مثل هذه النفسية أن يزكي نفسه، فهو إذا كان يرى أن الناس ليسو أهلا لثقته؛ لأنهم لا يستحقونها، سوف تكون النتيجة المنطقية لذلك: أنه ليس مثلهم، وربما يصل به ذلك إلى العُجب الذي يُهلك صاحبه، والعياذ بالله، لذا فإنه عليكِ – أختنا السائلة – الحذر من كيد الشيطان، فهو لا يفتر ولا ييأس من الكيد للمؤمن، حتى يوقعه في شرَك الوسوسة، أو الإحباط، أو اليأس، أو غير ذلك من أنواع شباكه.
٧. ونصيحتنا – أختنا السائلة – أن لا تكتفي برؤية الجانب المظلم من الناس، فإنه من المستحيل أن لا يكون قد مرَّ عليك في حياتك مواقف لأناس صالحين، شرفاء، ناصحين، فليكن مثل هؤلاء على بالك حين الحكم على الناس، حتى تتوزان عندك الأمور، وتكوني عادلة في الحكم، ثم إنك لا تعرفين الناس كلهم، فكم في الأرض من أتقياء، وأنقياء، وأصفياء، وصلحاء، فلا تجعلي معرفتك بقليل من الناس ميزاناً في الحكم على من لا تعرفين.
٨. والمسلم الذي يقابل الناس إحسانَه لهم بإساءة: لا ينبغي له أن يهتم، أو يغتم؛ لأن علاقته في فعل الخير هي مع الله، وليكن شعاره دوماً: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) الإنسان/٩.
٩. تجنبي الخلطة الزائدة مع الناس، واجعلي لك ميزاناً عادلاً دقيقاً في انتقاء صديقاتك، حتى لا ترجعي باللوم على نفسك إن قدَّر الله وأساءت إحداهنَّ لك فيما بعد.
هذه وصايانا، ونصائحنا، ونرجو الله أن ينفعكِ بها.
رابعاً:
وأما بخصوص اختيار الزوج: فقد سبق منا بيان ذلك بكثير من التفصيل، فنرجو منك مراجعة أجوبة الأسئلة: (٥٢٠٢) و (٦٩٤٢) و (٦٩٩٦٤) و (٨٤١٢) و (١٠٥٧٢٨) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر أمرك، ويهديك سبل الرشاد، وأن يرزقك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب