هل يجب على الزوج النفقة على زوجته العاملة؟ وهل له أن يأخذ من راتبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بدوام كامل يوميّاً , لذلك فإنَّ كل المال الذي أحصل عليه أنفقه على الملابس، والأحذية، وأدوات النظافة , بينما زوجي يدفع إيجار المنزل، والفواتير، وبعض الأمور الأخرى، أريد أن أعرف ما هي الأمور التي يجب على زوجي أن ينفقها عليَّ؟ على سبيل المثال , هل يجب عليه أن يكسوني فقط في حالة أن تكون ملابسي كلها ممزقة، أو بالية؟ ويقول زوجي لي أيضاً: " إذا أردت مني أن أنفق عليك بكل تلك الأمور: فإن عليك أن تجلسي، ولا تعملي ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد بينَّا في جواب السؤال رقم (٣٠٥٤) بما يكفي من الأدلة من الكتاب والسنَّة وإجماع العلماء على وجوب نفقة الزوج على زوجته، وذلك بحسب وُسْعِه ومقدرته، وأنه ليس له أن يحملها نفقة نفسها، ولو كانت غنية، إلا برضاها.
وهذه النفقة على الزوجة منها ما يتعلق بكسوتها، صيفاً وشتاءً، وليس الأمر أن يفعل ذلك كل عام، وكل موسم، حتى مع وجود ملابس عندها، قد لا تكون لبست بعضها، وليس الأمر أنه لا يفعل إلا أن تتمزق ملابسها، بل الكسوة تكون بحسب حاجة زوجته لها، وبحسب قدرته على كسوتها، دون أن يؤثر على التزاماته الأخرى، وبعتبير القرآن: أن ذلك بالمعروف: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/٢٣٣.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهنّ، من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره، وتوسطه وإقتاره " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (١/٦٣٤) .
وننبه هنا إلى أن المرأة العاملة قد تحتاج من الكسوة ما لا تحتاجه غير العاملة؛ لأنها تريد أن تلبس جديداً أمام زميلاتها في العمل، وهذا ليس من حقها على زوجها، بل حقها عليه كسوتها بما تلبسه في بيتها، وبما تخرج به من مناسبات شرعية، أو مباحة، بإذنه، وهو أمر لا يقدَّر بقدرٍ معين، بل يختلف باختلاف طبيعة الزوجة، وبيئتها.
ثانياً:
إذا كانت الزوجة قد اشترطت على زوجها، عند الزواج، أنها ستعمل: فيجب عليه السماح لها بالاستمرار في عملها، إلا أن تتغير طبيعة عملها، فتصير محرمة، كأن تعمل مع رجال أجانب، أو تكون طبيعة العمل محرَّمة، كالعمل في البنوك الربوية، أو مجالات التأمين، أو ما يشبه ذلك، وكذا لو أن عملها صار محتاجاً منها لأن تسافر، وليس معها محرم، فمثل هذه الأشياء لو حصلت: فإنها توجب على الزوج التدخل لمنعها من متابعة عملها، وهو لا يخالف الشرط هنا، بل يعمل بمقتضى الشرع الذي جعله مسئولاً عن زوجته: (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) متفق عليه.
وأما إن لم يكن شيء من ذلك موجوداً في عملها: فليس له منعها منه، بل عليه الوفاء بالشرط الذي وافق عليه عند زواجه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ من الآية ١.
عَنْ عُقْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
رواه البخاري (٢٥٧٢) ومسلم (١٤١٨) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (٣٥٩٤) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وأما بخصوص راتب الزوجة العاملة: فإنه من حقها، وليس للزوج أن أخذ منه شيئاً إلا بطِيب نفسٍ منها، وهذا كله: في حال أن يكون العمل مشترَطاً عليه عند عقد الزواج، كما سبق أن نبهنا.
ثالثا:
إن لم يكن عمل الزوجة مشترطاً عليه عند الزواج: فله أن يسمح لها بالعمل، مقابل أن تساهم معه في النفقات، بما يتفقان عليه؛ لأن الوقت الذي تبذله في عملها هو من حقه، فله أن يستوفي مقابله بالمعروف.
قال البهوتي رحمه الله:
" ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج "
انتهى. " الروض المربع " (٢٧١) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" يجب على الإنسان أن ينفق على أهله، على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها، أي: من راتبها شيئاً، هو لها.
أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرِّسي: فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني: مثلاً له أن يقول: أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس، وقبِلَ: فليس له الحق أن يمنعها، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (٦ / ١٤٣، ١٤٤) .
رابعاً:
ونوصي الزوجين ألا يكدرا بمثل تلك المحاسبات التي من شأنها أن تجعل منهما شريكين في تجارة! وإنما هما شريكان في تأسيس أسرة، وبناء بيت، ولا يصلح مثل هذه الخلافات أن تكون بين زوجين، فلتبذل المرأة من طيب نفسها ما تعين به زوجها على مصاعب الحياة، وليتعفف الزوج قدر استطاعته عن أخذه المال منها؛ لأن هذا مؤثِّرٌ سلباً في قوامته، والتي جعل الله تعالى من مقوماتها إنفاقه عليها، كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ من الآية ٣٤.
ويجب أن يفرِّق الزوج بين ما تبذله الزوجة مساهمة في نفقات الأسرة والبيت، وبين ما تعطيه إياه ديْناً، فالأول: لا يجوز للزوجة المطالبة به؛ لأنه مبذول بطيب نفس، ولا يحل لها الرجوع فيه، بخلاف الثاني فهو من حقها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" لا حرج عليك في أخذ راتب زوجتك برضاها، إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة، لا حرج عليك في قبضه، إذا طابت نفسها بذلك، وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) ، ولو كان ذلك بدون سند، لكن إذا أعطتك سنداً بذلك: فهو أحوط، إذا كنت تخشى شيئاً من أهلها، وقراباتها، أو تخشى رجوعها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢٠ / ٤٤) .
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، حفظه الله:
" لا تؤجر نفسها لخدمة أو عمل أو نحو ذلك إلا بإذن زوجها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) النساء /٣٤، فمما جعله الله عز وجل على الرجل أنه يقوم على أمر امرأته.
فعلى الزوج أن ينتبه؛ لأن الزوج راع ومسئول عن رعيته، والمرأة من رعيته، فإذا نظر أن المصلحة في خروجها للعمل أذن لها وأعانها، وخاصة في هذا الزمان، فكم من صالحة ينفع الله بخروجها للتعليم أو التوجيه أو نحو ذلك مما فيه خير لها وللأمة! ولا ينبغي للرجال أن يجحفوا بحقوق النساء أو يظلموهن أو يضيقوا عليهن.
وإذا رأى أن الخير لها أن تمتنع فأوصي المرأة أن تحمد الله عز وجل، وأن تطيع زوجها، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما من امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسمع وتطيع لبعلها، إيماناً بالله، وخاصة إذا وجدت منه غيرة وحب الخير لها، واحتساباً للثواب عند الله عز وجل: إلا أقر الله عينها في الدنيا والآخرة، وعليها أن تسلم وترضى، وألا تتعالى على حكم الله عز وجل، بل ترضى بذلك وتقنع به، بنفس مطمئنة، فمن رضي فله الرضا، والله عز وجل قد وعد من سمع وأطاع بالفلاح والفوز، وهذا شامل لفلاح الدين والدنيا والآخرة، وفوز الدين والدنيا والآخرة.
وعلى المرأة أن تنظر في حالها، فإنه ما من ساعة وما من يوم يمر عليها وهي تسمع لزوجها وتطيع بالمعروف، إلا وجدت في سمعها وطاعتها له من الخير ما الله به عليم!
وكم من الحوادث والقصص رأيناها في النساء الصالحات اللاتي أمرهن أزواجهن فأتمرن، ونهاهن أزواجهن فانتهين؛ فجعل الله لهن في ذلك الأمر والنهي من الخير ما الله به عليم! وكم من فتنة تنتظر المرأة في خروجها، فيسلط الله زوجها فيمنعها من الخروج، فإذا اتقت حبسها الله عن فتنة، ربما لو أنها خرجت لضلت وأضلت، ولكن الله لطف بها بالسمع والطاعة، وهذا مجرب.. " انتهى. "شرح زاد المستقنع للشيخ الشنقيطي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب