للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحكام العارية

[السُّؤَالُ]

ـ[ما معنى العارية؟ وما هي أحكامها؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قد عرف الفقهاء رحمهم الله العارية بأنها إباحة نفع عين يباح الانتفاع بها وتبقى بعد استيفاء المنفعة ليردها إلى مالكها.

فخرج بهذا التعريف ما لا يباح الانتفاع به إلا مع تلف عينه؛ كالأطعمة والأشربة.

والعارية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:

قال تعالى: (ويمنعون الماعون) أي: المتاع يتعاطاه الناس بينهم , فذم الذين يمنعونه ممن يحتاج إلى استعارته , وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى وجوب الإعارة , وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان المالك غنيا.

واستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة , واستعار صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدراعاً.

وبذل العارية للمحتاج إليها قربة ينال بها المعير ثوابا جزيلاً؛ لأنها تدخل في عموم التعاون على البر والتقوى.

ويشترط لصحة الإعارة أربعة شروط:

أحدها: أهلية المعير للتبرع؛ لأن الإعارة فيها نوع من التبرع؛ فلا تصح من صغير ولا مجنون ولا سفيه.

الشرط الثاني: أهلية المستعير للتبرع له: بأن يصح منه القبول.

الشرط الثالث: كون نفع العين المعارة مباحا: فلا تباح إعارة عبد مسلم لكافر ولا صيد ونحوه لمحرم: لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .

الشرط الرابع: كون العين المعارة مما يمكن الانتفاع به مع بقائه كما سبق.

وللمعير استرجاع العارية متى شاء إلا إذا ترتب على ذلك الإضرار بالمستعير إذا استرجعت العارية: كما لو أعاره سفينة لحمل متاعه: فليس له الرجوع ما دامت في البحر , وكما لو أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه: فليس له الرجوع في الحائط ما دام عليه أطراف الخشب.

ويجب على المستعير المحافظة على العارية أشد مما يحافظ على ماله؛ ليردها سليمة إلى صاحبها؛ لقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) ؛ فدلت الآية على وجوب رد الأمانات , ومنها العارية , وقال صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) ، فدلت النصوص على وجوب المحافظة على ما يؤتمن عليه الإنسان وعلى وجوب رده إلى صاحبه سالما , وتدخل في هذا العموم العارية , لأن المستعير مؤتمن عليها , ومطلوبة منه , وهو إنما أبيح له الانتفاع بها في حدود ما جرى به العرف؛ فلا يجوز له أن يسرف في استعمالها إسرافا يؤدي إلى تلفها ولا أن يستعملها فيما لا يصلح استعمالها فيه؛ لأن صاحبها لم يأذن له في ذلك وقد قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) .

فإن استعمالها في غير ما استعيرت له فتلفت؛ وجب عليه ضمانها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه الخمسة , وصححه الحاكم؛ فدل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره , ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه.

وإن تلفت في انتفاع بها بالمعروف لم يضمنها المستعير؛ لأن المعير قد أذن له في هذا الاستعمال , وما ترتب على المأذون , فهو غير مضمون.

هذا وقد اختلف العلماء في ضمان المستعير للعارية إذا تلفت في يده في غير ما استعيرت له , فذهب جماعة إلى وجوب ضمانها عليه سواء تعدى أو لم يتعدى؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) , وذلك مثل لو ماتت الدابة أو احترق الثوب أو سرقت العين المعارة , وذهب جماعة آخرون إلى عدم ضمانها إذا لم يتعد؛ لأنها لا تضمن إلا بالتعدي عليها , ولعل هذا القول هو الراجح؛ لأن المستعير قبضها بإذن مالكها , فكانت أمانة عنده كالوديعة.

على أنه يجب على المستعير المحافظة على العارية والاهتمام بها والمسارعة إلى ردها إلى صاحبها إذا انتهت مهمته منها , وأن لا يتساهل بشأنها , أو يعرضها للتلف؛ لأنها أمانة عنده , ولأن صاحبها أحسن , و (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ؟ .

[الْمَصْدَرُ]

من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان

<<  <  ج: ص:  >  >>