للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم زيارة المعابد والمقابر الفرعونية وحكم الصلاة فيهما

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز زيارة المعابد، والمقابر الفرعونية، وما شابه ذلك؟ وهل لو خفت أن ينقضي وقت الصلاة: أؤديها في هذه الأماكن؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

زيارة المقابر قسمان: شرعية، وبدعية، فالشرعية: هي التي يراد منها نفع الميت بالدعاء، والاستغفار له، وهذه خاصة للمسلم.

ويدخل في الزيارة الشرعية: الزيارة بقصد تذكر الموت، والآخرة , وهذه تكون عامة لقبر المسلم، والكافر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر: الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له؛ فالقيام على قبره: من جنس الصلاة عليه , قال الله تعالى في المنافقين: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/٨٤، فنهى نبيَّه عن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم؛ لأنهم كفروا بالله، ورسوله، وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا , وهذا؛ لأجل هذه العلة - وهي الكفر -: دلَّ ذلك على انتفاء هذا النهى عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه، ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد: لم يُخَصوا بالنهى , ولم يعلَّل ذلك بكفرهم , ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم: من السنَّة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين، وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دُفن الرجل من أمته: يقوم على قبره، ويقول: (سَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود وغيره، وكان يزور قبور أهل البقيع، والشهداء بـ "أُحُد"، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَّا بعدهم) .

وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) ، والأحاديث في ذلك صحيحة، معروفة.

فهذه الزيارة لقبور المؤمنين: مقصودها الدعاء لهم.

وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار، كما ثبت في صحيح مسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآَخرَةَ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت: تُشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت، فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين.

وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصد بها أن يُطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء، والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره؛ لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم , ولا فعلها الصحابة" انتهى.

"مجموع الفتاوى" (١/١٦٥، ١٦٦) .

ويجب أن يعلم أن زيارة القبور المشروعة يشترط لها أن لا يصحبها السفر إلى هذه القبور.

فإن السفر من أجل زيارة القبور محرم، سواء قبور المسلمين أم قبور المشركين.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشَدُّ الرّحَالُ إلَاّ إلى ثَلَاثة مَسَاجد: المَسْجد الحَرَام وَمسْجدي هذا، والمسجد الأقصى) – رواه البخاري ومسلم -.

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) – رواه البخاري تعليقاً، ومسلم -.

وأما زيارتهم دون شد رحال: فسنَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القبُورَ فَإنَّهَا تُذَّكرُكُم الآخرَةَ) رواه مسلم في صحيحه" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (١/٤٣١) .

ثانياً:

المقابر ليست محلاًّ للصلاة، سواءً أكانت مقابر للمسلمين – إلا ما استثناه الشرع وهو صلاة الجنازة - أو مقابر للمشركين من باب أولى.

ومن أدى صلاة فرض، أو نافلة في مقبرة: فصلاته باطلة.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"لا تصح الصلاة في المقابر، فمَن أدى صلاة فيها: فهي باطلة، يجب عليه إعادتها؛ وذلك للأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، إلا صلاة الجنازة، فلا بأس بها في المقبرة" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.

" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (٥ / ٢٥٢، ٢٥٣) .

وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (١٣٤٩٠) .

ثالثاً:

أما معابد المشركين: فلا يجوز قصدها للزيارة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وأما زيارة معابد الكفار مثل: الموضع المسمّى بالقمامة! أو بيت لحم، أو صهيون، أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى: فمنهيٌّ عنها، فمَن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته: فهو ضالٌّ، خارج عن شريعة الإسلام، يُستتاب، فإن تاب: وإلا قتل , وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة، وعرضت له الصلاة فيها: فللعلماء فيها ثلاثة أقوال ... " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢٧/١٤) .

وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه قولُه: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم، ومعابدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم) . رواه عبد الرزاق (١/٤١١) وابن أبي شيبة (٦/٢٠٨) .

وأما حكم الصلاة فيها: فجائز، بشرطين:

أ. عدم قصد الصلاة فيها، وإنما دخلها لحاجة فعرضت لها الصلاة، كما مرَّ في كلام شيخ الإسلام رحمه الله آنفاً.

ب. وبشرط عدم وجود الصور، والتماثيل.

وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله قي صحيحه: " باب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ وقال:

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ) ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَاّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. انتهى.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الصلاة في البيَع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال: إنها بيوت الله أم لا؟ .

فأجاب:

"ليست بيوت الله , وإنما بيوت الله: المساجد , بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها , فالبيوت بمنزلة أهلها , وأهلها كفار , فهي بيوت عبادة الكفار.

وأما الصلاة فيها: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد، وغيره: المنع مطلقاً ; وهو قول مالك، والإذن مطلقا، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره , وهو منصوص عن أحمد، وغيره , أنه إن كان فيها صور: لم يصلّ فيها ; لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – متفق عليه - , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور – رواه أبو داود بإسناد صحيح - , وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢/١٥٦) .

رابعاً:

مما هو معلوم أن هذه الأماكن الأثرية قد تكون أماكن عذاب، ولعنة , وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قصد أماكن المعذَّبين للزيارة، أو النزهة.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ) رواه البخاري (٤٢٣) ومسلم (٢٩٨٠) .

قال النووي رحمه الله:

"فِيهِ: الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب......... , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة، وَالْخَوْف، وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ، وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى.

"شرح مسلم" (١٨/١١١) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

وهذا يتناول مساكن "ثمود"، وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم.

"فتح الباري" (٦/٣٨٠) .

وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة زيارة أماكن المعذّبين، والذين ظلموا:

١. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم قصد مدائن " صالح " بالزيارة.

فأجاب:

"أمَّا المرور عليها: فقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه أسرع عليه الصلاة والسلام، وقنَّع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج، والنزهة، بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمَّة - والحمد لله - لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب، والإعراض، والتولي عن الدِّين.

وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام: سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لمَا يرون من إحكام البناء، وشدته، وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن: فإنه على خطر عظيم" انتهى.

"لقاء الباب المفتوح" (٨٢/السؤال رقم ٢) .

٢. وفي جواب السؤال رقم (٨٧٨٤٦) ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريم زيارة منازل "مديَن"، و "ثمود" لقصد الفُرجة، والاطلاع.

وننبه إلى أن هناك أسباباً أخرى تمنع الذهاب إلى تلك الأماكن، حيث صارت مرتعاً خصباً للسيَّاح، وما يصاحب ذلك من تعرِّ، وتبرجٍ، وفجور، وشرب للخمور، وغير ذلك.

خامساً:

أما حكم الصلاة في أماكن اللعنة، والخسف، وأقوام المعذبين: فالظاهر هو المنع منها:

فقد بوَّب البخاري رحمه الله – (١/١٦٦) - على حديث ابن عمر المتقدم: "بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ" , وهذا من دقيق استنباطه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

وَالْحَدِيث مُطَابِق لَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَرْك النُّزُول كَمَا وَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " الْمَغَازِي " فِي آخِر الْحَدِيث " ثُمَّ قَنَّعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل، وَلَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ، كَمَا صَنَعَ " عَلِيّ " فِي خَسْف " بَابِل ".

"فتح الباري" (١/٥٣٠) .

وقد صحَّ موقوفاً عن علي رضي الله عنه النهي عن الصلاة في أرض " بابل " من أرض العراق.

قال ابن رجب رحمه الله:

وروى يعقوب بن شيبة، عن أبي النعيم: ثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي: حدثني حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع " علي " إلى "الحرورية" [الخوارج] ، فلما وقع في أرض "بابل" قلنا: "أمسيتَ يا أمير المؤمنين، الصلاة، الصلاة قال: "لم أكن أصلي في أرض قد خسف الله بها".

وخرجه وكيع، عن مغيرة بن أبي الحر، به بنحوه.

وهذا إسناد جيد ... .

ثم قال:

والموقوف أصح.

"فتح الباري" لابن رجب (٣/٢١٢) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

ولا يصلَّى في مواضع الخسف، نص عليه [الإمام أحمد] في رواية عبد الله ... فإذا كان المكث في مواقع العذاب، والدخول إليها لغير حاجة منهيٌّ عنه: فالصلاة بها أولى , ولا يقال فقد استثنى ما إذا كان الرجل باكياً؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط؛ فأما المكث بها، والمقام، والصلاة: فلم يأذن فيه، بدليل حديث " علي " , ولأن مواضع السخط، والعذاب، قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجد الأنبياء - مثل مسجد إبراهيم، ومحمد، وسليمان صلى الله عليهم - مكرَّمة لأجل مَن عبد الله فيها، وأسسها على التقوى.

فعلى هذا: كل بقعة نزل عليها عذاب: لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجر، وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضرار؛ لقوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً) التوبة/١٠٨.

"شرح العمدة" (٣/٤٢٠) .

بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أبعد من تحريم الصلاة، وهو القول ببطلانها، ووجوب إعادتها.

قال رحمه الله:

فإن صلَّى: فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا: تصح؛ لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه، ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك , ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها , ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان: أحدهما: أنه محمول على التحريم , وهذا أشبه بكلامه , وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها: " يعيد الصلاة " , وكذلك عند القاضي، والشريف أبي جعفر , وغيرهما، طرد الباب في ذلك، بأن كل بقعة نهي عن الصلاة فيها مطلقاً: لم تصح الصلاة فيها، كالأرض النجسة , وهذا ظاهر، فإن الواجب: إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيَّه أن يقوم في مسجد الضرار , ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموماً، فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصاً , ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون، وأصحابه، مع أن الأصل في النهي: التحريم، والفساد: لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه" انتهى.

"شرح العمدة" (٣/٤٢١) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>